الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

فلسفة

الفيلسوف العظيم هو الذي يكتشف طريقة جديدة لطرح الأسئلة : مارأيك؟
قيل :" بقدر ما نتخلى عن الذات بقدر ما نقترب من الحقيقة" ما رأيك؟
بأيّ معنى تكون الحقيقة محرّرة؟
هل أن تعريف الفلسفة كرؤية للعالم يحيط بحقيقتها؟
هل أن القول بتاريخية الفلسفة هو ضرب من الريبة؟
إذا كانت الحقيقة مزعجة فهل نفضّل عليها الأوهام؟
هل من تعارض في الفلسفة بين ممارسة الشك وطلب الحقيقة؟
من يفكّر حينما أفكّر؟
قيل:" الشك في كل شيء والإيمان بكل شيءكلاهما حلان سهلان وكلاهما يعفياننا من النظر." حلل هذا القول مبينا طبيعة الموقف الفلسفي.
قيل:" بقدر ما تشغلنا الحياة يتقلّص لدينا الاهتمام بالتأمل،فمقتضيات العمل تنزع نحو التقليص من مدى البصر." حلل هذا القول وناقشه مبينا طبيعة العلاقة بين التفكير والحياة.
قيل:" أن نتفلسف هو أن نعيد إلى العقل كل كرامته و كلحقوقه وأن نردّ كل شيء إلى مبادئه الذاتية وأن هز نير المعتقدات الشائعةوالوجاهات."حلل هذا القول مبرزا دور العقل في الفلسفة وأثر ذلك في علاقة الفلسفةبرؤى العالم.
قيل:"إن الفيلسوف الحقيقي هو ذاك الذي يشهّر بكل الظروف التي لايكون فيها الإنسان إنسانا." هل يبدو لك هذا التعريف لوظيفة الفيلسوفصائبا؟
قيل:" إن وظيفة الفيلسوف لا تتمثل في تقديم حلول لمشاكل وإنما في تفنيد الحلول الموضوعة." حلل هذا القول وناقشه مبرزا دور النقد في الفلسفة.
هل منالحكمة أن نخضع للرأي العام؟
قيل:"عندما ينمّ وجود الإنسان العيني عن نظاملاعقلي فإن التشهير فالفكر المجرّد والاستسلام للعيني،يعني استسلام الدوافع النقديةفي الفلسفة وتهاوي قدرتها على معارضة الواقع اللاعقلي." حلل هذا القول وناقشه مبينا طبيعة الفكر الذي يدعو له.
قيل:"إن التوتّر بين العالم والفلسفة هو توتّربين نقص الكينونة وجوب كمالها.ومادام في العالم نقص فإنّ صرخة الفلسفة ستعلوأبدا."حلل هذا القول وناقشه مبينا مبرراته واستتباعا ته.
ما وجاهة القول بأن فلسفة ما قد تجاوزها الزمن؟
قيل:" ليست الفلسفة معرفة وإنما هي تفكير فالمعرفة."بيّن منطلقات هذا التعريف وأنظر في مشروعيته؟
"فكر بنفسك" ما مدى وجاهةهذا المطلب؟
هل يمكن تعريف الفلسفة بمبدأ عدم الاعتقاد؟
الفلسفة تعنياشتقاقا"حب الحكمة" فهل من معنى لهذا التعريف اليوم؟
ألا يكون التفكير حقيقياإلا بمعية الآخرين؟
إن الفلسفة علم في مواجهة الدين ودين في مواجهة العلم.تابعهذا الحكم بالتحليل والمناقشة مبينا مدى مشروعيته.
قيل:"إن الرغبة الخفية لكلفلسفة هي نهاية الفلسفة." حلل القول وناقشه مبيّنا دلالة النهاية المقصودة.
يذهبالبعض إلى القول بأن الأعداء الحقيقيين للفلسفة هم الفلاسفة أنفسهم.بيّن مسوغات هذاالموقف.
هل أن الإنسان قادر على تجاوز أوهامه بمثل قدرته على تجاوزأخطائه؟
هل نحقّق ذواتنا عندما نفكر؟
قيل:"للقلب دواعي لا يدركها العقل." حلل هذا القول وناقشه مبينا استتباعا ته.
قيل:" ما هي الفلسفة اليوم إن لم تكن العمل النقدي الذي يمارسه الفكر على ذاته، وإن لم ترتكز على معرفة كيف يمكن أن نفكر علىنحو مغاير عوض أن نشرع ما نعرفه ونبرره؟." حلل هذا القول وناقشه مبيّنا مبررات هذه الدعوى ومظاهر الجدة فيها ومشروعيتها.
بم يمكن أن نكون على يقين؟
هل يمكن أنيكون حبّ الحقيقة عائقا يحول دون بلوغ الحقيقة؟
هل يساعد الحوار على بلوغ الحقيقة؟
قيل:"إن الحقائق أكثر عداء للحقيقة من الأكاذيب." ما رأيك؟
هل يمثل اليقين بأننا على صواب مؤشّرا كاف على الحقيقة؟
لماذا نتكلّم عن "الحق في المعرفة"؟
بماذا توحي لك هذه الفكرة:"حدان فيهما إفراط:إلغاء العقل وتأكيد العقل فقط."؟
هل يجدر بنا أن نترك مكانا لللامعقول في حياتنا؟
هل من المشروع الإقرار بالتعارض بين ما هو علمي وما هو خيالي؟
هل أن شرعية الإيمان بالعقل وبقيمته تبرّر بالضرورة كل مكانة للعاطفة والخيال في حياة الإنسان ؟
قيل:"إن الفكر العلمي لم يتعامل مع مفهومي العقل والحقيقة تعامل الفلسفة معهما." حلل القول ناقشه مبرزا طبيعة المعرفة العلمية و دورها في توضيح العديد من المفاهيم الملتبسة.
هل أن العلم كاف لتحررنا؟
قيل:"إن العلم من حيث هو بحث عن المقدرةتزداد انتصاراته ازديادا مطّردا،أما من حيث هو بحث عن الحق فقد قتله الشك الذيأنجبته مهارة العلم." حلل هذا القول وناقشه مبيّنا دور الشك في العلم ومشروعيةاعتبار الحق هدفا له.
هل أن الأزمات التجديدية التي شهدها العلم كانت، فعلا ،الأزمات الوحيدة الصالحة لتجدّد الفلسفة؟
هل تقتصر المعقولية على العلم؟
هليمكن التفكير خارج مجالات العلم؟
قيل:" ليست الحقيقة حقيقية بما يكفي." حلل هذاالقول وناقشه مبيّنا مدى مشروعية التظنن على الحقيقة العلمية.
قيل:"إن العلم جعلمنا آلهة قبل أن نكون جديرين بلقب الإنسان."حلل هذا القول وناقشه مبيّنا مدىمشروعية المحاكمة الأخلاقية للعلم.
هل يصح الحكم التالي:"إن تقدم العقل ليستقدما في السعادة."
هل يصحّ القول أن العلم لا يملك الفلسفة الجديرة به؟
هلتغيّر المعرفة العلمية من موقفنا تجاه العالم؟
هل يصح القول :"كلما استنارتالشعوب زاد شقاؤها."
هل يستوجب تعاظم سلطة العلم تعاظما في سلطة الإنسان؟
"إنما يختص به الفيلسوف و يتميز به عن العامي هو أنه لا يـُسلـّم بشيء دون برهان، ولايصادق أبدا على تصورات خادعة، وأنه يُدقـّق رسم الحدود بين ما هو يقيني وما هومحتمل وما هو مظنون". حلل هذا القول مبرزا خصائص التفكير الفلسفي.
قيل:"أننتفلسف هو أن ننتقل باستمرار من المعرفة إلى الجهل ومن الجهل إلى المعرفة". حلل هذاالقول وناقشه مبينا طبيعة العلاقة بين الجهل والمعرفة ضمن فعلالتفلسف.
قيل:"الفلسفة هي الفعل النقدي الذي يمارسه الفكر على ذاته". حلل هذاالقول و ناقشه ميرزا أبعاده و حدوده.
بأي معنى نقول إن الحاجة إلى التفلسف هيالحاجة إلى الحرية؟
هل من الحكمة اليوم أن نحب الحكمة؟
هل في اعتبار التفلسفتفكيرا شخصيا حجة ضد الفلسفة؟
ما الذي نعنيه بقولنا : إن التفلسف تجاوُز؟
إذاكان على الفيلسوف أن يتجاوز آراء الآخرين فهل يعني ذلك أنه لا يفكر من أجلهم؟
لانتفلسف إلا بقدر ما ننكر على أنفسنا حق الإقامة ضمن معرفة مطلقة. ما رأيك؟
بأيمعنى يكون التفلسف معارضة للمألوف؟
إلى أي مدى يكون التفسير مجال العلم والتأويلمجال الفلسفة؟
إذا كان التفلسف ممارسة للشك فهل يفضي ذلك إلى اليأس منالحقيقة؟
هل من دور يمكن للفلسفة أن تلعبه في زمن أصبح فيهالعلم أداة هيمنة علىالطبيعة والإنسان؟
هل تقتضي مواجهة الواقع الإنساني اليوم، العلم أمالفلسفة؟
هل يكمن خلاص البشرية في تقدم المعرفة العلمية؟

هل الاستبطان كاف لفهم سلوك الإنسان ؟


نص السؤال : هل الاستبطان كاف لفهم سلوك الإنسان ؟
إن دراسة الظواهر الإنسانية بنفس الكيفية التي تدرس بها الظواهر الطبيعية طرحت على العلماء أكثر من مشكل , فالعوائق المطروحة في دراسة الحوادث التاريخية كانعدام الملاحظة المباشرة , وعدم تكرار الحادثة وتغلب الذاتية على الموضوعية تجعلنا نسلم بوجود صعوبة في قيام دراسة علمية , وهذه العوائق تطرح وبشكل آخر في مجال علم النفس , فعبارة علم النفس توهمنا بوجود علم يدرس طبيعة النفس البشرية التي هي في الأصل جوهر ميتافيزيقي يستحيل دراسته بطريقة علمية أو بكيفية تجريبية , إلا أن المحدثين من العلماء على غير القدماء يجردون علم النفس من كل طابع ميتافيزيقي ويعتبرونه بحثا في ظواهر النفس لا في جوهرها وهو ما يمكن من قيام علم النفس كعلم وضعي يعتمد على الملاحظة والتجربة كغيره من العلوم الأخرى , إلا أن طريقة البحث فيه تبقى مختلفة عن طريقة البحث في غيره لاعتمادها على الملاحظة الذاتية أو التأمل الباطني وهو ما يعرف في علم النفس بالاستبطان . فهل تفحص الذات لذاتها بصورة مباشرة كفيل بفهم النشاط الإنساني والوقوف على قوانينه ؟ وعلى هذا الأساس فهل الدراسات الاستبطانية ترفع السيكولوجيا إلى مراتب الدراسة العلمية ؟
فهم النشاط الإنساني يكون عن طريق الملاحظة الداخلية أي المنهج الاستنباطي :
إن الحوادث النفسية حوادث باطنية , يعانيها الشخص ذاته من الداخل إذ لا يمكن للغير أن يطلع عليها ولهذا فهي تقتضي في معرفتها الإدراك المباشر , الذي يكون عن طريق التأمل الذاتي للأحوال النفسية وهذا هو الاستبطان وهو يقوم على ملاحظة الشخص لنفسه وأحوالها ثم تحليل حالاته النفسية ومحاولة تفسيرها وفهمها , والدراسة النفسية التي تتم بهذه الكيفية تسمى باطنية , وعلى هذا الأساس فإن الاستبطان يعتبر منهجا في علم النفس وهو لا يعني مجرد الشعور بالظاهرة أو الحالة النفسية بل هو ذلك التأمل العميق الذي تقوم به الذات وهي في حالة وعي ويقظة من أجل فهم الحالة النفسية المدروسة ومن ثمة تحديد أسبابها ووضع قوانين لها . ولقد كان لهذه الطريقة أهمية كبيرة عندما كان الشعور موضوع الدراسة في علم النفس . و تعتبر المدرسة الشعورية في علم النفس أهم من قال بالاستبطان , و هي تدعم هذا المنهج بدعوى وحدة الطبيعة البشرية .كما كان للاستبطان أنصارا منهم "مونتاني " الذي يقول : " لا أحد يعرف هل أنت جبان أو طاغية إلا أنت , فالآخرون لا يرونك أبدا " ... كما عبر عن أهمية هذه الطريقة " ريبو " الذي يقول : " إن الطريقة الباطنية طريقة أساسية في علم النفس وبدونها لا يمكن البدء بأية ملاحظة " . وهكذا فإن الحوادث النفسية ولما كانت تنطلق من باطن الإنسان فلابد للباحث في علم النفس أن يعتمد التأمل الذاتي في فهم الأحوال النفسية .
لكن الاستبطان رغم النتائج الإيجابية التي حققها والخدمات الكثيرة التي قدمها لعلم النفس في الكشف مباشرة عن الأسباب الداخلية للحوادث النفسية فإنه لم يعد طريقة علمية وهذا لاتحاد ذات الملاحظ بموضوعها , فلا يستطيع الإنسان أن يطل من النافذة ليرى نفسه سائرا في الطريق . وهكذا فقد لقيت هذه الطريقة اعتراضات شديدة . تتجه إلى القول بأن المنهج العلمي يتطلب الملاحظة الخارجية .
فهم النشاط الإنساني يكون عن طريق الملاحظة الخارجية أي المنهج السلوكي :
إن المنهج الاستبطاني لم يكن منهجا علميا فقد كانت نتائجه ذاتية تأملية , وحتى يكون المنهج علميا لابد أن يكون موضوعيا وحتى يكون كذلك لابد أن تخضع فيه الظواهر إلى الملاحظة الخارجية أي ملاحظة السلوك . فكما أن للظاهرة النفسية باطن خفي لا يدركه إلا صاحبه فإن لها ظاهر مرئي يمكن ملاحظته في سلوك الإنسان الخارجي , فالغضب

إشكالية تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية


إشكالية تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية .
نص السؤال : هل للتاريخ مقعدا بين العلوم الأخرى ؟
إن العلوم الإنسانية هي مجموع الاختصاصات التي تهتم بدراسة مواقف الإنسان وأنماط سلوكه , وبذلك فهي تهتم بالإنسان , من حيث هو كائن ثقافي , حيث يهتم علم النفس بالبعد الفردي في الإنسان ويهتم علم الاجتماع بالبعد الاجتماعي , ويهتم التاريخ بالبعدين الفردي والاجتماعي معا لدى الإنسان , فالتاريخ هو بحث في أحوال البشر الماضية في وقائعهم وأحداثهم وظواهر حياتهم وقال عنه ابن خلدون : " انه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم , وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال " ... وبناء على هذا فإن الحادثة التاريخية تتميز بكونها ماضية ومن ثمة فالمعرفة التاريخية معرفة غير مباشرة لا تعتمد على الملاحظة ولا على التجربة الأمر الذي يجعل المؤرخ ليس في إمكانه الانتهاء إلى وضع قوانين عامة والعلم لا يقوم إلا على قوانين كلية وعلى هذا الأساس فهل هذه الصعوبات تمنع التاريخ من أن يأخذ مكانه بين مختلف العلوم الأخرى ؟ أو بمعنى آخر هل خصوصية الحادثة التاريخية تمثل عائقا أمام تطبيق الأساليب العلمية في دراستها ؟ أي هل الاعتراض على القول بان التاريخ علم له ما يبرره ؟
التاريخ ليس علما وحوادثه لا تقبل الدراسة العلمية :
يذهب بعض المفكرين إلى أن الحوادث التاريخية لا تخضع للدراسة العلمية لأن الخصائص التي تقوم عليها الحادثة التاريخية تمثل عائقا أمام  تطبيق الأساليب العلمية في دراستها , ومن هذه الخصائص أن الحادثة التاريخية حادثة إنسانية تخص الإنسان دون غيره من الكائنات , واجتماعية لأنها لا تحدث إلا في مجتمع إنساني فالمؤرخ لا يهتم بالأفراد إلا من حيث ارتباطهم وتأثير في حياة الجماعة , وهي حادثة فريدة من نوعها لا تتكرر , محدودة في الزمان والمكان ... وبناء على هذه العوائق التي تقف أمام تطبيق الدراسة العلمية في التاريخ قامت اعتراضات أساسية على القول أمام تطبيق الدراسة العلمية في التاريخ قامت اعتراضات أساسية على القول بأن التاريخ علم منها : انعدام الملاحظة المباشرة للحادثة التاريخية كون حوادثها ماضية وهذا على خلاف الحادث العلمي في الظواهر الطبيعية فإنه يقع تحت الملاحظة المباشرة , ثم استحالة إجراء التجارب في التاريخ وهو ما يجعل المؤرخ بعيدا عن إمكانية وضع قوانين عامة , فالعلم لا يقوم إلا على الأحكام الكلية كما يقول أرسطو : " لا علم إلا بالكليات " . هذا بالإضافة إلى تغلب الطابع الذاتي في المعرفة التاريخية لأن المؤرخ إنسان ينتمي إلى عصر معين ووطن معين ...الخ , وهذا يجعله يسقط ذاتيته بقيمها ومشاغلها على الماضي الذي يدرسه ثم إن كلمة علم تطلق على البحث الذي يمكن من التنبؤ في حين أن نفس الشروط لا تؤدي إلى نفس النتائج وبالتالي لا قدرة على التنبؤ بالمستقبل في التاريخ .
إنه مما لا شك فيه أن هذه الاعتراضات لها ما يبررها من الناحية العلمية خاصة غير أنه ينبغي أن نؤكد بأن هذه الاعتراضات لا تستلزم الرفض القاطع لعملية التاريخ لأن كل علم له خصوصياته المتعلقة بالموضوع وبالتالي خصوصية المنهج المتبع في ذلك الموضوع فهناك بعض المؤرخين استطاعوا أن يكونوا موضوعيين إلى حد ما وان يتقيدوا بشروط الروح العلمية .
التاريخ علم يتوخى الوسائل العلمية في دراسة الحوادث الماضية :
يذهب بعض المفكرين إلى القول بأن الذين نفوا أن تكون الحوادث التاريخية موضوعا للعلم لم يركزوا إلا على الجوانب التي تعيق الدراسة العلمية لهذه الحوادث فالظاهرة التاريخية لها خصوصياتها فهي تختلف من حيث طبيعة موضوعها عن العلوم الأخرى , وبالتالي من الضروري أن يكون لها منهج يخصها . وهكذا أصبح المؤرخون يستعملون في بحوثهم منهجا خاصا بهم وهو يقترب من المنهج التجريبي ويقوم على خطوط كبرى هي كالآتي :
أ- جمع المصادر والوثائق : فبعد اختيار الموضوع يبدأ المؤرخ بجمع الوثائق والآثار المتبقية عن الحادث فالوثائق هي السبيل الوحيد إلى معرفة الماضي وفي هذا يقول سنيويوس : " لا وجود للتاريخ دون وثائق , وكل عصر ضاعت وثائقه يظل مجهولا إلى الأبد " .
ب- نقد المصادر والوثائق : فبعد الجمع تكون عملية الفحص والنظر و التثبت من خلو الوثائق من التحريف والتزوير , وهو ما يعرف بالتحليل التاريخي أو النقد التاريخي وهو نوعان : خارجي ويهتم بالأمور المادية كنوع الورق والخط .. وداخلي و يعيش روح العصر الذي يدرسه . وفي هذا يقول ابن خلدون عن التاريخ : " فهو محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبيت يفيضان بصاحبهما إلى الحق ... لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ... فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم و الحيد عن جادة الصدق ".
ج- التركيب الخارجي : تنتهي عملية التحليل إلى نتائج جزئية مبعثرة يعمل المؤرخ على تركيبها في إطارها الزمكاني فيقوم بعملية التركيب مما قد يترتب عن ذلك ظهور فجوات تاريخية فيعمل على سدها بوضع فروض مستندا إلى الخيال والاستنباط ثم يربط نتائجه ببيان العلاقات التي توجد بينهما وهو ما يعرف بالتعليل التاريخي . وهكذا فإن المؤرخ في طلبه للحقيقة يتبع منهجا خاصا لأن الظاهرة التاريخية تختلف من حيث طبيعة موضوعها عن العلوم الأخرى وعليه فالتاريخ علم يتوخى الوسائل العلمية للتأكد من صحة حوادث الماضي .
انه مما لا شك فيه أن علم التاريخ قد تجاوز الكثير من الصعوبات التي كانت تعوقه وتعطله ولكن رغم ذلك لا يجب أن نبالغ في اعتبار الظواهر التاريخية موضوعا لمعرفة علمية بحتة , كما لا يجب التسليم بأن الدراسات التاريخية قد بلغت مستوى العلوم الطبيعية بل الحادث التاريخي حادث إنساني لا يستوف كل شروط العلم .
التاريخ علم من نوع خاص :
إن للحادثة التاريخية خصائصها مثلما للظاهرة الحية أو الجامدة خصائصها وهذا يقتضي اختلافا في المنهج وهذا جعل من التاريخ علما من نوع خاص ليس علما استنتاجيا كالرياضيات وليس استقرائيا كالفيزياء و إنما هو علم يبحث عن الوسائل العلمية التي تمكنه من فهم الماضي وتفسيره وعلى هذا الأساس فإن القول بأن التاريخ لا يمكن أن يكون لها علما لأنه يدرس حوادث تفتقر إلى شروط العلم أمر مبالغ فيه , كما أن القول بإمكان التاريخ أن يصبح علما دقيقا أمر مبالغ فيه أيضا وعليه فإن الحوادث التاريخية ذات طبيعة خاصة , مما استوجب أن يكون لها منهجا خاصا بها . وبالتالي فالتاريخ علم يحدد موضوعه الخاص ويتبع في ذلك منهجا يتفق مع طبيعة الموضوع وهذا يؤهله لأن يكون جديرا بأن يعد من مجموع العلوم .
إن العلوم أنواع مختلفة واعتبار التاريخ ليس مؤهلا لأن يكون علما صحيحا مثل الرياضيات والفيزياء لأن نتائجه ليست دقيقة وثابتة فهو علم يهتم بالحوادث الإنسانية ويتبع طرقا علمية في تحليلها ودراستها وإذا كانت العلوم الإنسانية لم تصب من التقدم ومن الدقة نصيبا يعادل ذلك الذي حققته الفيزياء مثلا فإن هذا الوضع الذي توجد عليه حاليا لا يمنع من السير نحو المزيد من التقدم والضبط . فالعلم طريقة في التفكير ونظام في العلاقات أكثر منه جملة من الحقائق . إذ يمكن للمؤرخ أن يقدم دراسة موضوعية فيكون التاريخ بذلك علما , فالعلمية في التاريخ تتوقف على مدى التزام المؤرخ بالشروط الأساسية للعلوم . وخاصة الموضوعية وعليه فإن مقعد التاريخ بين العلوم الأخرى يتوقف على مدى التزام المؤرخين بخصائص الروح العلمية والاقتراب من الموضوعية .

النص لـ غاستون باشلار Gaston Bachelard :


النص لـ غاستون باشلار Gaston Bachelard :
النص : إن العلم سواء في بحثه عن الاكتمال أو من حيث المبدأ يعارض الرأي معارضة تامة , وإذا اتفق له في مسألة ما أن قبل الرأي وصدقة , فإن ذلك لأسباب أخرى غير تلك التي يقوم عليها الرأي , بحيث يأتي الرأي دائما من حيث المبدأ على خطأ . إن الرأي يسيء التفكير , إذ هو لا يفكر و إنما يترجم الحاجات والميول إلى معارف , وما دام يشير إلى الأشياء بمنافعها , فهو يحجب نفسه بذلك عن معرفتها , لا يمكن تأسيس أي شيء على الرأي , وإنما يجب البدأ بتحطيمه , إنه يشكل العائق الأول الذي يجب تجاوزه .
لا يكفي أن يعمد الإنسان إلى تصحيح الرأي في بعض النقاط الخاصة مثلا وأن يحتفظ هكذا بمعرفة عامية على غرار ضرب من الأخلاق المؤقتة .
إن الروح العلمية تمنعنا من تكوين أي رأي في مسائل لا نفقهها ولا نعرف كيف نصوغها صياغة واضحة .
قبل كل شيء , يجب أن نعرف كيف نطرح المشاكل , ومهما يكن فإن المشاكل في ميدان العلم لا تطرح نفسها تلقائيا , وهذا الحس الإشكالي بالضبط هو العلامة على الروح العلمية الحقيقية .
كل معرفة في نظر الروح العلمية تعد إجابة على سؤال , وإذا لم يكن هناك سؤال فلا مجال للحديث عن معرفة علمية , ليس هناك ما يتم تلقائيا , ليس هناك ما هو معطى , ولا يوجد إلا ما هو مبني .
المطلوب : أكتب مقالة فلسفية تعالج فيها مضمون النص .
إن العلم في ملاحقته لموضوعه الخارجي وفي محاولته تفسير ما هو موجود يسعى دائما إلى التخلص من الأهواء الذاتية والرغبات الشخصية , ويسمو فوق المعرفة الحسية المباشرة لأن الواقع العلمي ليس هو الواقع العفوي الذي جرت ملاحظته بصفة عابرة , فالأحكام التي نستمدها من ثقافتنا الشعبية والتي نعتمد عليها في تفسير ما يصادفنا من ظواهر هي مجرد أراء ساذجة وهي ليست من العلم في شيء , وأكثر من ذلك أن هذه الآراء كثيرا ما تعيق العلم وتصده عن غاياته وهذا دفع ببعض الفلاسفة والعلماء في إطار الدراسات النقدية الحديثة في المجال العلمي أو ما يعرف بفلسفة العلوم , ومن هؤلاء صاحب النص غاستون باشلار إلى إحداث ثورة على الأفكار السابقة لأنها سببا في إعاقة العلم على التطور , وعليه فما مدى التعارض القائم بين العلم والرأي ؟ بمعنى آخر , هل يمكن لمعارفنا الساذجة أن تتطور وتصبح علوما ؟
غاستون باشلار فيلسوف فرنسي عاش ما بين 1884-1962 اهتم بتاريخ العلوم وبفلسفتها , مؤلفاته تدور حول موضوعين أساسيين أهمهما " نظرية المعرفة العلمية Epistemologie " ثم ربط النزعة النزعة الشعرية بالتحليل النفسي , والعلاقة بين الموضوعين أن النظريات العلمية تدمير للنظرات الشعرية , كما يدعو باشلار من خلال فلسفته إلى ديالكتيك سلبي Dialectique du Non و السلب أو الرفض عند باشلار يعني حركة تدمير وإعادة بناء للمعرفة . من أهم آثاره " تكوين الروح العلمية " و " فلسفة الرفض " وله كتب أخرى عن الشعر .
تتلخص آراؤه الفلسفية في أن العلم لا يتقدم بالبناء على أساس المعارف وإنما يتقدم بناءا على اكتشاف الأخطاء في تلك المعارف السابقة , وإن فائدة تاريخ العلم هي أن نبين كيف أن ما نعده اليوم نظرية علمية صحيحة قد مر بالعديد من النظريات الذي ثبت خطؤها في مرحلة تالية . أما فيما يخص موقفه من المشكلة المطروحة في النص و المتمثلة في العلاقة بين العلم و الرأي , فهو يرى أن العلم يعارض الرأي معارضة تامة , وإن حدث وأن جاء العلم مطابقا للرأي فلا يعني أن العلم يقبل الرأي أو يصدقه فهما متعارضان في المبدأ و في الغايات , فالرأي ذاتي والعلم موضوعي وبالتالي لا يمكن بناء ما هو موضوعي على ما هو ذاتي بل يجب على العلم أن يقطع صلته بالرأي من أجل بلوغ الحقيقة وهو ما يعرف عند باشلار " القطيعة الابستمولوجية " .
وقد اعتمد غاستون باشلار على كثير من الأدلة العقلية والمنطقية التي تثبت أن العلم في جوهره يختلف عن الرأي والمقارنة بينهما جديرة بأن تظهر ذلك . فالرأي من حيث المبدأ يكون على خطأ دائما لأنه يفكر و إنما يترجم حاجاته وميولاته إلى معارف , وما دام الرأي على هذا النحو لا يجوز بناء أي شيء عليه بل يجب تحطيمه قبل بداية البحث فهو العائق الأول يضاف إلى العوائق الأخرى التي تصادف الباحث " العوائق الابستمولوجية " إذ ليس من العلم أن نصحح بعض آرائنا المسبقة ونبقي على البعض الآخر أو أن نكون آراء حول مسائل لم نبحث فيها .
وبالتالي فمن خصائص الرأي أو المعرفة الساذجة أنها نفعية وذاتية وخاطئة وهذا لا يؤهلها لأن تكون علما , بل أن المعرفة العلمية تقتضي قطع كل صلة بها حتى تكون موضوعية وحقيقية . هذا بالإضافة إلى أن الواقع العلمي في نظر باشلار هو واقع مبني , والبناء العلمي للظاهرة يتطلب سلسلة من الحيل والإجراءات التي يقوم بها الباحث يذكر منها القدرة على طرح المشكل العلمي , وهذه القدرة لا تتوفر إلا إذا كان العالم يتمتع بحس إشكالي - وهو الشعور بعدم القدرة على تفسير الظاهرة المشكل بالاعتماد على المعارف المتوفرة – لأن قيمة البحث العلمي تتحدد تبعا لقيمة السؤال الذي يبعثه فمنه تبدأ عملية البناء , فالعلم يجعل من العالم المدرك حسيا عالما مبنيا ينطلق من طرح السؤال مرورا بالتقنيات الإجرائية المختلفة إلى الممارسة اليدوية التي يباشرها المجرب إلى الاكتشاف , وبقدر ما يتم بناء الحادثة العلمية بقدر ما يبعدها عن صورتها الخام , وعلى هذا الأساس فإن المعرفة العلمية تتميز بكونها معرفة موضوعية ونظرية تهدف إلى الحقيقة انطلاقا من طرح المشكلات فتصبح الظاهرة العلمية وكأنها صنعت من طرف العالم . وهكذا يكون غاستون باشلار قد بين التعارض القائم بين المعرفتين العلمية و العامية بالاعتماد على بيان خصائص كل منهما والمقارنة بينهما .
إن البرهنة التي اعتمدها غاستون باشلار صحيحة من الناحية العقلية , ولكن إذا رجعنا إلى الواقع , فإننا نجد كثيرا من العلوم اعتمدت في تطورها على معارف سابقة من أراء غير علمية وأحكام ذاتية وتاريخ العلم يثبت أن كل علم مسبوق بمحاولات ولو فاشلة مما يجعل الرأي صالحا لأن يكون منطلقا في بناء صرح العلم , وقد قامت نظرية أوغست كونت Auguste Comte في تطور الفكر والعلم على تتابع الأحوال الثلاث ( اللاهوتية , الميتافيزيقية , الوضعية ).
إن المعرفة العلمية معرفة موضوعية يتجرد فيها الباحث عن ذاتيته بآرائها وأهوائها وغاياتها , ويسمو فوق المعرفة الحسية المباشرة ويبني الظاهرة العلمية بناءا يجعلها مميزة عما هي عليه في شكلها الخام , مما يؤكد وجود تعارض بين الحالة التي يؤسس عليها العلم والحالة التي يعيشها الإنسان برأيه في الأشياء , ولكن هذا لا يمنع العلم من أن يتخذ من الرأي أرضية في بناء صرحه العالي والمتين أحيانا .

التفكير العلمي


التفكير العلمي .
نص السؤال : هل القطيعة شرط بناء العلم ؟
إن مسألة العلم لا تطرح بالنسبة للإنسان , فهو وحده الذي يتميز بامتلاكه للعقل , وهو وحده الذي يريد أن يجعل من ظواهر الكون ظواهر معقولة , فبإدراكه لموضوعات العالم الخارجي يعيد تنظيم عناصرها ويحكم عليها , لكنه كان قديما يحكم على ما يحيط به حكما غيبيا جاهزا فجاءت أحكامه غيبية ميتافيزيقية لم تفسر له ظواهر الكون , فاضطر إلى إعادة النظر في معرفته وبدأ يفكر تفكيرا وضعيا في كل ما يحيط به , فكانت أحكامه أكثر انطباقا مع الواقع , ولكن : هل بناء صح العلم يقتضي من العقل البشري التخلص نهائيا من كل تفكير ليس وضعيا ؟ أو بمعنى آخر هل العلم حلقات متواصلة بناها العقل تدريجيا منذ القديم , أم أن العلم معارف جديدة تولدت بعد أن قطع الذهن صلته بالأفكار السابقة ؟
اتصال المعرفة العلمية بالمعرفة العامية ( فلا قطيعة بينهما ) :
يذهب أنصار النظرية الاتصالية إلى أن المعارف السابقة التي امتلكها الإنسان هي الأرضية والقاعدة التي ينطلق منها العقل لاكتشاف حقائق جديدة , وهذا يعني أن المعرفة العامية هي معرفة ضرورية لكل إنجاز علمي يحققه العلماء فمثلا أعمال مندل في علم الوراثة كانت منطلقا لما حققه مورغان فيما بعد ,وبهذا تكون مسيرة العلم عبارة عن حلقات متواصلة و مراحل متتابعة لا انفصال بينها. وبعبارة أخرى فإن العقل البشري على حد تعبير أوغست كومت : " أنه بطبيعته يستعمل على التوالي في كل بحث من أبحاثه ثلاثة مناهج في التفلسف يختلف طابعها اختلافا جوهريا " وهو ما يعرف بقانون الأحوال الثلاث ومفاده أن العقل البشري في تطوره مر على التوالي بثلاثة أحوال نظرية متباينة هي الحالة اللاهوتية والميتافيزقية و الوضعية مما يفسر أن العلم تطور بشكل تدريجي وأن المعرفة العلمية مجرد امتداد للمعرفة العامية التي تطورت وتحسنت فصارت علمية موضعية .
لكن هذا التفسير لا ينطبق على كل العلوم وأن الربط المحكم بين حلقات العلم قد يكون عائقا أمام تطور العلم , لأن كثيرا من الحقائق قامت على تجاوز ما كان سائدا من قبل .
انفصال المعرفة العلمية عن المعرفة العامية (إقامة القطيعة بينهما) :
يذهب أنصار النظرية الانفصالية إلى أن بناء العلم وتقدمه ينطلق من التعارض القائم بين المعارف السابقة وبين الحوادث المكتشفة التي كثيرا ما تأتي متناقضة مع ما سبقها من أفكار , مما يفسر أن العلم في نظر الانفصاليين لا ينمو ولا يتطور إلا على أساس الكشف عن الأخطاء ومن ثم تصحيحها , وعلى هذا الأساس تكون المعرفة العلمية متعارضة مع المعرفة العامية كون الأولى موضوعية والثانية ذاتية وعليه لا يمكن إقامة ما هو موضوعي على أساس ما هو ذاتي بل يجب قطع الصلة مع المعارف السابقة , حيث يقول غاستون باشلار : " والواقع أن الموضوعية العلمية ليست ممكنة إلا إذا سبقها قطع الصلة مع الموضوع المباشر , وإلا إذا وضع حد للأفكار التي تولدها الملاحظة الأولى , وإلا إذا عورضت هذه الأفكار " . و على هذا أساس كانت القطيعة الابستمولوجية شرط بناء العلم . ويضيف غاستون باشلار يقول : " كل موضوعية محققة كما ينبغي تكذب نتائج الاتصال الأول مع الموضوع " . فالأفكار السابقة في نظر باشلار هي العائق الأول الذي يجب تجاوزه , ومسيرة العلم تكشف عن أخطاء كثيرة لم يتقدم إلا بعد تصحيحها . مثلا تجاوز غاليلي لنظرية أرسطو القائلة أن الطبيعة تخاف الفراغ . وهكذا فإن المعرفة العلمية الموضوعية تبدأ عندما يتمكن العقل من قطع صلته بالمعرفة السابقة .
لكن هذا التحليل لا يمكن تعميمه على كل الأفكار , إذ لا يمكن اعتبار كل المعارف السابقة خاطئة ويجب تصحيحها بل منها ما بقي صحيحا وكان بداية قوية في بناء العلم .
العلم يقتضي مراجعة الماضي :
إنه من غير الممكن محو معارف اعتاد عليها الإنسان مرة واحدة وبشكل سريع ثم البدء من الصفر لتأسيس معرفة جديدة . كما أنه من غير الممكن أن يتقدم العلم دون أن يكشف عن الأخطاء والعوائق التي سببت الركود في مسيرة تطور العلم بسبب نقص الأدوات أو ضعف الحواس والعقل , بل إن بناء العلم يتم عن طريق مراجعة الماضي من أجل العثور على الخطأ ومن ثمة تصحيحه فيكون العلم لغزا يتجدد باستمرار على حد تعبير غاستون باشلار . فهو في سير دائم ما ينفك خلاله يصحح نفسه .
إن العقل البشري وأمام غموض الواقع لا يمكنه أن يبقى سليما , فما يعتبره معرفة صحيحة واضحة قد يتعرض فيها للنقد , ولكن بمراجعة الماضي يقع العثور على الحقيقة فتكون توبة عقلية , وهكذا فإن بناء العلم هو بمثابة عودة إلى الماضي مع تحول يعارض هذا الماضي ويصححه أو يجدده . فالعلم يحل مشكلة ولكنه لا يلبث أن يفضي إلى مشكلة جديدة .

التفكير الرياضي


التفكير الرياضي .
نص السؤال : هل الرياضيات علم عقلي بحت ؟
تختلف الرياضيات عن العلوم الحسية في كونها تستمد موضوعها من التصورات الذهنية الإنشائية لقضايا مجردة تتعلق بالمقادير الكمية في حين أن العلوم الأخرى تقوم على وصف الأشياء الواقعية الحسية الموجودة فعلا . و هذا يجعل الرياضيات لا تبحث في موضوعاتها من حيث هي معطيات حسية بل من حيث هي رموز مجردة مجالها التصور العقلي البحت فإذا كان مدار البحث الرياضي هو المفاهيم أو المعاني أو الرموز الرياضية فهل هذه المعاني أشياء ذهنية من ابتكار العقل لا غير ؟ أو بمعنى آخر هل الرياضيات إبداع عقلي خالص لا صلة لها بالتجربة الواقعية ؟
الرياضيات علم عقلي لا صلة له بالواقع :
 يرى أنصار الاتجاه العقلي والمثالي أن مبادئ المعرفة فطرية . وأن المفاهيم الرياضية موجودة في العقل قبليا (أي قبل التجربة) فعملية الجمع , و الخط المستقيم والمثلث هي معاني رياضية حاصلة في العقل بالفطرة . وقد حاول أفلاطون في محاورة مينون – وهو عبد جاهل للهندسة استطاع أن يكتشف بنفسه كيف يمكن إنشاء مربع – إثبات أن العلم قائم في النفس بالفطرة , والتعلم مجرد تذكر له وليس اكتسابا من الواقع , وهو ما نجده عند ديكارت بمعنى يختلف عن أفلاطون قليلا حيث أن المعاني الفطرية ليست واضحة بذاتها بل حاصلة في النفس بالاستعداد والقابلية . ولقد انفتحت مع ديكارت آفاق واسعة أمام الرياضيات . فراحت تحلق في عالم التجريد وتشيد أبراجا ذهنية تزداد بعدا عن الواقع الحسي , فالأعداد الكسرية , و الدائرة ... ليس لها ما يقابلها في عالم الواقع ... وقد تحولت الرياضيات كلها إلى عمليات جبرية لا تخضع إلا لقواعد المنطق حتى كادت أن ترد إليه . كما أن الفكر العربي قد اعتبر الموضوعات الرياضية موضوعات عقلية يتم استخلاصها عن طريق عمليتي التجريد والتعميم وفي هذا يقول الفارابي :" علم العدد النظري يفحص عن الأعداد على الإطلاق ... وإن الهندسة النظرية إنما تنظر في خطوط وسطوح و أجسام على الإطلاق والعموم " ... كما كانت للعرب إبداعات عديدة في هذا الميدان حتى أن البعض منها ما يزال ذا صلة باسم مخترعيه مثلا اللوغاريتم الذي يرتبط باسم الرياضي العربي الشهير الخوارزمي وهو مخترع علم الجبر .
لكن الرياضيات بمفاهيمها المختلفة وبكل ما تتمتع به من تجريد إلا أنها ليست مستقلة عن المعطيات الحسية , فالدراسات المتتبعة للفكر الرياضي تكشف جوانبه التطبيقية .
الرياضيات علم يرتبط بالواقع وينطلق منه :
 يذهب أنصار الاتجاه الحسي أو التجريبي إلى أن التفكير الرياضي كان مرتبطا بالواقع و أن الحضارات الشرقية القديمة استخدمت طرقا رياضية في مسح الأراضي الزراعية وفي الحساب فكانت الرياضيات وليدة الملاحظة و التجربة , فالهندسة في مصر القديمة نشأت على صورة فن المساحة , كما أن البابليين استخدموا الهندسة والحساب في تنظيم الملاحة والفلاحة والري .
وهكذا نلاحظ أن الرياضيات كانت في الأصل تجريبية خاضعة لتأثيرات صناعية عملية و أن الأساس الذي بنى عليه اليونان صرحهم الرياضي النظري هو الرياضيات العملية التي عرفتها الحضارات الشرقية القديمة . و لعل هذا ما دفع " جون لوك " إلى الرد على ديكارت بأنه لا وجود لمعاني فطرية في النفس لأن الأطفال والبله والمتوحشين لا يعرفونها . كما يؤكد " كوندياك " على أن الإحساس هو المنبع الذي تنبجس منه جميع قوى النفس . مما يعني أن بداية الرياضيات كانت بداية حسية انطلاقا من تعامل الإنسان مع الأشياء التي تحيط به كالعد بالأصابع أو الحصي وترتيب الأشكال ثم تدرج شيئا فشيئا في تجريد الأعداد والأشكال فاكتسبت هذه الأخيرة صورتها المجردة فاستخرج الإنسان قوانينها فأصبحت علما نظريا , وعليه يكون فن المساحة العملي قد سبق علم الهندسة النظري , وفن الآلات قد سبق علم الميكانيك . فاهتدى الفكر البشري بصورة عملية إلى معرفة خواص الأشكال والآلات قبل أن يتوصل إلى البرهان عليها .
لكن التصورات التي تربط كلا من الهندسة والحساب بالتطبيقات العملية والحاجات الاجتماعية تختلف اختلافا جذريا عن التصور الجديد للعلم الرياضي الذي أصبح موضوعه ماهيات ذهنية تتمتع بالاستقلال التام عن الواقع .
الرياضيات مشخصة قبل أن تكون عقلية :
 إن الرياضيات كعلوم عقلية نظرية قامت في الأصل على أمور مادية تجريبية ثم تمكن العقل بعد ذلك من تجريدها وانتزاعها من مادتها تدريجيا فأصبحت عقلية خالصة . فعالم الهندسة اليوم لا يهمه أن يكون المثلث الذي يبحث فيه من الخشب أو الحديد بل الذي يعنيه هو المثلث الذي تصوره و عرفه ووضع له مفهوما يصدق على كل مثلث . وفي هذا الصدد يرى جون بياجي أن الرياضيات عبارة عن نشاط إنشائي وبنائي يقوم به العقل ويعطي التجربة صورتها وخلال ذلك يتهيكل هذا النشاط في حد ذاته . بمعنى أن العقل لا يحتوي على أطر مسبقة بل فيه قدرة على الإنشاء . كما يقول جورج سارطون : " إن الرياضيات المشخصة هي أولى العلوم الرياضية نشوءا , فقد كانت في الماضي تجريبية ثم تجردت من هذه التأثيرات فأصبحت علما عقليا " .
إن الواقع الحسي كان منطلق التفكير الرياضي , فلم يدرك العقل مفاهيم الرياضيات في الأصل إلا ملتبسة بلواحقها المادية , و لكن هذا التفكير تطور بشكل مستمر نحو العقلية الخالصة إذ انتزع العقل مادته وجردها من لواحقها حتى جعل منها مفهوما عقليا محضا مستقلا عن الأمور الحسية التي كانت ملابسة له وبهذا أصبحت الرياضيات بناء فكري يتم تشييده بواسطة فروض يقع عليها الاختبار دون النظر إلى صدقها أو كذبها في الواقع , بل الصدق الوحيد المطلوب هو خلو هذا البناء من أي تناقض داخلي وعليه فالرياضيات علم عقلي.

الفلسفة نمط متميز من التفكير" ما الذي يبرر ذلك ؟


نص الموضوع : " الفلسفة نمط متميز من التفكير" ما الذي يبرر ذلك ؟
إن ما يعرف عادة بالمعجزة اليونانية , يعود أساسا إلى بروز ظاهرة جديدة في تفكير اليونانيين الذي تخلص شيئا فشيئا من العناصر الأسطورية و الخرافية والغيبة التي كانت تسيطر عليه وعلى معظم الظواهر الفكرية السابقة لتلك الفترة . وهو تفكير ينطلق من إدراك الذات البشرية لذاتها ووعيها بقدرتها على البحث في الموضوعات الخارجية وبلوغ حقائقها , وهو ما يعرف بالتفكير الفلسفي أو القدرة على التفلسف فما هي خصوصيات التفكير الفلسفي ؟ وما الذي يجعله تفكيرا متميزا ؟
إن من أبرز خصوصيات التفكير الفلسفي أنه بمثابة محاولة تجاوز لما هي عليه الحياة اليومية إلى شيء آخر أكثر قيمة بالنسبة للمرء , إلا أن هذا الشيء القيم لا يتجلى للمرء من أول وهلة , كما أن محاولة التجاوز تتطلب من المرء بحثا وتفكيرا عميقا , وهكذا يرتبط التفكير الفلسفي بذلك الجهد الفكري الذي يبذله المرء والذي يجب على كل متفلسف أن يقوم به . هكذا كان حال الذي فلاسفة اليونان الأوائل خاصة سقراط الذي صارع الرأي العام من جهة و السوفسطائيين من جهة أخرى , فالممارسة الفلسفية تفرض على الفيلسوف التخلص من قيود العادات والتقاليد البالية التي تقيد تفكيره , ومن سيطرة الأفكار والظواهر التي تحد من رؤيته ( فهو يعالج موضوعا محددا انطلاقا من التساؤل عن العلل الأولى للوجود , مرورا بالمعرفة والقيم إلى البحث في العلم , وهو ما يتبع في ذلك منهجا تأمليا عقليا يقوم على خصائص تميزه عن منهج العلم التجريبي ) ولعل هذا ما يدفع بالفلاسفة إلى الشك من اجل تحرير الفكر , والوقوف على اليقين مثلما هو الحال عند الغزالي وديكارت وهذا يقودنا إلى ميزة أخرى من أهم مميزات التفكير الفلسفي وهي النظرة الفاحصة , واليقظة الدائمة والانتباه المستمر أمام كل المشاكل التي تعترض الفيلسوف , فلا يقبل شيئا و لا يرفض شيئا إلا بعد إخضاعه لمقياس العقل , فالخطاب الفلسفي خطاب عقلاني يستند إلى البرهان .
إن الفلسفة في نظر برتراند رسل تبدأ عند وعي الإنسان بنقائص معارفه وهذا الوعي لا نجده عند غالبية الناس بل البعض فقط هو الذي يدرك هذه النقائص فيقول : " وإنك لتخطو الخطوة الأولى في سبيل الفلسفة إذا أدركت هذه النقائص في تفكير العامة " . وهكذا فقد وجد فلاسفة في المجتمعات القديمة في بلاد فارس والهند وغيرهما , إلا أن أرسطو يقول : إن البحث عن المعرفة الفلسفية لم يبدأ إلا في البلاد التي تحقق فيها كل ما هو ضروري لتسديد حاجيات الحياة " . وهذا يعني أن وجود التفكير الفلسفي مرتبط بالظروف الملائمة . ولعل هذا ما جعل الفلسفة بالمعنى الدقيق لم تبدأ إلا مع اليونان . فالظروف الاقتصادية للمجتمع اليوناني والتقسيم الطبقي فيه أفرز فئة متحررة من ضغط الحاجة كرست كل أوقاتها للعمل الذهني , كما أن الظروف السياسية وما تمتع به المجتمع اليوناني من ديمقراطية في إطار الدستور الأثيني الذي يضمن حرية التفكير والتعبير . وفر للفكر الظروف الملائمة للتفتح والتطور . وهذا يفرض علينا أن نؤكد على ارتباط الفلسفة بالظروف التي تنشأ فيها . فالظروف الملائمة شرط وجود الفلسفة.
إن الفلسفة هي سبب تطور الفكر البشري , وقيمتها تتمثل في قدرتها على توعية الإنسان بواقعه , وبضرورة البحث عن حلول ناجحة للمشاكل الحقيقية التي يواجهها على كل مستويات حياته الاجتماعية . فهي وإن كانت لا تقدم حلولا جاهزة فإنها تفتح المجال للبحث والتفكير . وتطرح الأسئلة التي يجب على الإنسان أن يطرحها . إلا أن الفلسفة جانبا من الخطورة على الإنسان ويتمثل في إمكانية إبعاد الإنسان عن الواقع الذي يعيش فيه بمعالجتها لمسائل ثانوية ومجردة لا تخدم الإنسان و لا تيسر عليه حياته .
إن التفكير الفلسفي تفكير متميز , يتميز عن الخرافة ويتميز عن العلم , له موضوعه الخاص , وله منهجه الخاص أيضا , كان تمهيدا لظهور فكر بشري مختص وسيظل حافزا ودافعا على العمل , فالمجتمع لا تستقيم حياته و لا يتقدم دون أن يكون فيه فلاسفة , فيقول ديكارت : " إن حضارة كل أمة إنما تقاس بقدرة ناسها على تفلسف أحسن , وهكذا فإن الخير كل الخير بالنسبة لأمة ما أن يكون فيها فلاسفة حقيقيون " .

اللغة والتواصل


اللغة والتواصل .
نص السؤال : هل يمكن التفكير بدون لغة ؟
إن علماء النفس يطلقون معنى اللغة على مجموع الإشارات التي يعبر بها عن الفكر , فنحن عندما نتحدث مع الغير فإنه من الواضح أننا نطلق بألفاظ نرتبها حسب المعنى , وعندما نتحدث لأنفسنا لا ننطق بألفاظ ولكننا نرتب المعاني حسب الصورة المنطوقة مما يبدو معه أن كل تفكير يحتاج إلى تعبير و أن كل تعبير يحتاج إلى تفكير , إلا أن مسألة اللغة والفكر ظلت موضوع سوء تفاهم بين الفلاسفة والعلماء فهل يمكن قيام فكر بدون لغة ؟ بمعنى آخر هل اللغة والفكر منفصلان عن بعضهما أم أنهما مظهرين لعملية نفسية واحدة ؟
اللغة والفكر منفصلان عن بعضهما :
يذهب أصحاب الاتجاه إلى التمييز بين اللغة والفكر , ويفصلون بينهما فصلا واضحا , ويعتبرون أن الفكر سابق اللغة وأوسع منها , لأن الإنسان يفكر بعقله أولا ثم يعبر بلسانه ثانيا , لذلك قد تتزاحم الأفكار في ذهن الإنسان ولكنه يعجز عن التعبير عنها مما يجعل اللغة عائقا للفكر ولعل هذا ما يدفع بالإنسان إلى الاستعانة بالإشارات لتوضيح أفكاره أو اللجوء إلى وسائل بديلة للتعبير اللغوي كالرسم والموسيقى وغيرهما . وهذا ما أكده " برغسون " حين قال : " اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر " . بمعنى أن تطور المعاني أسرع من تطور الألفاظ , فالمعاني بسيطة متصلة بينما الألفاظ مركبة منفصلة , ويقول " فاليري " ( أحد الشعراء الفرنسيين ) : " أجمل الأفكار هي تلك التي لا نستطيع التعبير عنها " . بمعنى أن اللغة عاجزة عن إبراز المعاني المتولدة عن الفكر إبرازا كاملا . فلا يمكنها أن تجسد كل ما يختلج في نفس الإنسان .
وهكذا فالنتيجة التي ينتهي إليها أصحاب الاتجاه الثنائي أن الفكر واللغة منفصلات عن بعضها فالقدرة على التفكير لا تعني بالضرورة القدرة على التعبير مما يؤدي إلى عدم التناسب بين القدرة على الفهم والقدرة على التبليغ .
لكن الإنسان يشعر بأنه يفكر ويتكلم في آن واحد , والواقع يبين أن التفكير لا يتم بدون لغة . فالفكر بدون لغة مجرد شعور .
لا يمكن الفصل بين اللغة والفكر :
 يذهب أصحاب الاتجاه الواحدي إلى عدم التمييز بين اللغة والفكر فهم لا يفصلون بينهما ولا يرون وجود فرق بينهما بل يرون أنه لا يمكن أن يوجد فكر بدون لغة , كما لا توجد لغة من دون فكر . فاللغة ليست مجرد أداة للتبليغ والتعبير بل هي الأساس الذي يقوم عليه التفكير ومن بين الفلاسفة الذين يؤكدون على وجود وحدة عضوية بين اللغة والفكر الفيلسوف الألماني " هيغل " الذي يرى أن الكلمة تعطي للفكر وجوده الأسمى و أن الرغبة في التفكير بدون كلمات لمحاولة عديمة المعنى , كما أن اللغة عند " جون لوك " هي علامات حسية تدل على الأفكار الموجودة في الذهن , وهذا يعني أن هناك تطابقا بين الفكرة ودلالة الألفاظ . كما يقول ستالين : " مهما كانت الأفكار التي تجيء إلى فكر الإنسان فإنها لا تستطيع أن تنشأ وتوجد إلا على مادة اللغة " . وقد أشار " أرسطو " إلى هذا بقوله : " ليس ثمة تفكير بدون رموز لغوية " .
وهكذا فإن أصحاب الاتجاه الواحدي يخلصون إلى نتيجة مفادها أن اللغة والفكر كل موحد و أن العجز الذي توصف به اللغة فهو عجز في التفكير و أن عدم التناسب بين القدرة على الفهم والقدرة على التبليغ يعود إلى عجز المتكلم عن إيجاد الألفاظ المناسبة للفكرة .
لكن الإنسان يشعر بعجز اللغة عن مسايرة الفكر , فالأدباء على الرغم من امتلاكهم لثروة لغوية كبيرة يعانون من مشكلة التعبير والتبليغ كما يشعر الإنسان أيضا بخطورة اللغة على الفكر أحيانا مثلما في حالة سوء التفاهم .
لا فكر بدون لغة ولا لغة بدون فكر :
 لقد حاول الكثير من الفلاسفة من خلال آرائهم التوفيق بين الفكر واللغة , فلا فكر بدون لغة ولا لغة بدون فكر , وقد عبر عن هذا التلاحم بين اللغة و الفكر " مير لوبونتي " بقوله : " إن الفكر لا يوجد خارج الكلمات " . بينما يقول دولاكروا : " اللغة تصنع الفكر والفكر يصنع اللغة " . وهكذا يبقى على الإنسان الاعتناء بلغته وتطويرها حتى تتمكن من مواكبة الفكر واللحاق به فاللغة السليمة تعبر بصدق عن الفكر .
نستنتج مما سبق أن اللغة والفكر شيئان متداخلان ومتكاملان , وإن كانت بينهما أسبقية فهي منطقية لا زمنية , وإن كان بينهما تمييز فهو نظري لا مادي وقد عبر عن هذه العلاقة " هاملتون " بقوله : " إن المعاني شبيهة بشرار النار لا تومض إلا لتغيب فلا يمكن إظهارها وتثبيتها إلا بالألفاظ " . كما يقول زكي نجيب محمود :
" الفكر هو التركيب اللفظي أو الرمزي لا أكثر و لا أقل " . وعليه فكل تفكير يتطلب لغة .

هل الإبداع ظاهرة فردية خاصة ؟


نص السؤال : هل الإبداع ظاهرة فردية خاصة ؟
إن الإبداع في اصطلاح الفلاسفة له عدة معان أهمها تأسيس الشيء عن الشيء أي تأليف شيء جديد من عناصر موجودة سابقا مثلما هو الحال في الفنون والعلوم , ومما لا شك فيه أن ظاهرة الإبداع ترتبط بدور الفرد من خلال فعالية تخيله في تصور النقائص التي بإدراكها تحصل فكرة الإبداع ومن ثمة فإن الإبداع ينشأ في ذهن إنسان له فرديته الخاصة وشخصيته المميزة باستعداداته وقدراته الفطرية والمكتسبة . فإذا كان الإبداع إجراء يرتبط بشخصية الفرد فهل الشروط الذاتية وحدها كافية لحصول عملية الإبداع ؟ بمعنى آخر إذا كان من المؤكد أن الشروط النفسية تؤثر في عملية الاختراع فهل يمكن رد هذه العملية إلى هذه الشروط وحدها ؟
الإبداع يعود إلى تأثير العوامل النفسية :
ينظر بعض الفلاسفة العلماء إلى الإبداع على أنه ظاهرة خاصة توجد لدى بعض الأفراد دون غيرهم . لأن الأحوال النفسية والعقلية من ميول و رغبات ومواهب هي التي تدفع بالفرد إلى الإبداع بدليل أن العباقرة يمتازون بخصائص نفسية وعقلية تمكنهم من تجاوز ما يعجز عنة الآخرون . فقد حلل " فرويد " ظاهرة الإبداع بردها إلى الأعمال اللاشعورية فالعمل المبدع في نظره تعبير عن الرغبات المكبوتة التي تتحقق عن طريق الخيال بمعنى أن معظم عناصر تخيلاتنا تتجمع في اللاشعور , وتختزن الصورة المبدعة في الذهن ثم تنبثق دفعة واحدة في شكل الهام , حيث يقول " نيوتن " في هذا الصدد : " وإنني لأضع بحثي نصب عيني دائما و انتظر حتى يلمح الإشراق الأول علي شيئا فشيئا لينقلب إلى نور جلي " كما يقول " بوانكاري " : " أن الحظ يحالف النفس المهيأة " ويقول " برغسون " : " أن العظماء الذين يتخيلون الفروض والأبطال و القديسين الذين يبدعون المفاهيم الأخلاقية , لا يبدعونها في حالة جمود الدم , و إنما يبدعون في جو حماسي وتيار ديناميكي تتلاحم فيه الأفكار " . وهي أدلة تدل على أن لعملية الإبداع أصول نفسية .
حقيقة أن الإبداع تجسيد لما يختلج في النفس من معان وصور , إذ لا يمكن إنكار دور الذات في عملية الإبداع . ولكن الذات تتأثر بالمحيط الاجتماعي فلا إبداع من العدم مما يعني حاجة الذات تتأثر بالمحيط الاجتماعي فلا إبداع من العدم مما يعني حاجة الذات إلى الشروط الاجتماعية الملائمة .
الإبداع يعود إلى تأثير العوامل الاجتماعية :
 ينظر بعض الفلاسفة والعلماء إلى الإبداع على انه ظاهرة اجتماعية كون المبدع يستمد مادة إبداعه من المجتمع , مما يجعل الإبداع له ارتباط وثيق بالحياة العامة وخاصة الاجتماعية , فالحاجة الاجتماعية ومتطلباتها هي التي تدفع الإنسان إلى الإبداع ولذا يقال : " الحاجة أم الاختراع " بمعنى أن الحاجة تعتبر مشكلة اجتماعية تتطلب حلا وهو ما يدفع بالمبدع إلى التفكير .
وهكذا يكون نشاط المبدع عبارة عن ظاهرة اجتماعية , في نظر " دوركايم " الذي يرى أن الإبداع مهما تعددت مجالاته تتحكم فيه شروط اجتماعية فالمبدع سواء كان فنانا أو عالما لا يبدع لنفسه وإنما يبدع وفق ما يحتاج إليه المجتمع وحسب ما يسمح به المجتمع ... فالمجتمعات تبارك الإبداعات العلمية الموجهة لأغراض سلمية وتعاقب أو تذم الإبداع العلمي الموجه إلى أغراض حربية . وهذا يبين أن المبدع يوجه إبداعه إلى معالجة المشاكل التي تعترض مجتمعه , ولعل هذا ما عناه " ريبو " بقوله : " مهما كان الإبداع فرديا فإنه يحتوي على نصيب اجتماعي " . وهي آراء تدل على أن المبدع يستقي مادته الإبداعية من الواقع الاجتماعي الذي يعيشه .
حقيقة ظاهرة الإبداع تعود إلى الحوافز الاجتماعية وطبيعة الواقع الاجتماعي ولكن رغم توفر الشروط الاجتماعية الملائمة ووجود الحاجة الدافعة للإبداع إلا أنه لا يمكن لكل أفراد المجتمع أن يبدعوا وهذا يدل على تدخل عوامل وشروط أخرى مرتبطة بالذات المبدعة .
الإبداع يعود إلى تأثير العوامل الذاتية والاجتماعية معا :أن الإبداع يعود بالدرجة الأولى إلى حيوية المبدع وما يتمتع به من خصائص نفسية وعقلية كتظافر الوظائف النفسية من ذكاء , وتخيل , وذاكرة . وتوفر الميول الكافية من رغبات وآمال , بالإضافة إلى تمتع صاحب الإبداع بنوع من الحس المبدع الخاص كما أن المبدع يستمد عناصر إبداعه من المجتمع فالوسط الاجتماعي الملائم من حاجات وظروف و أفكار ة تطور علمي وثقافي حافز على الإبداع . فظهور جل القوانين العلمية في أوروبا لا غير دليل على دور البيئة الاجتماعية .
إن الإبداع ليس مجرد إلهام مفاجئ يحظى به بعض الأفراد في المجتمع بل هو ظاهرة فردية تضرب بأعماق جذورها في الحياة الاجتماعية التي منها يأخذ المبدع مادته , فالإبداع يستمد حيوته من ميول الفرد ويستمد مادته من حاجة المجتمع , وعليه فالإبداع يكون بالتكامل بين الشروط الاجتماعية و الشروط الذاتية . 

الذكاء والتخيل


الذكاء والتخيل .
نص السؤال : هل الذكاء هدية الآباء للأبناء ؟
يولد الإنسان مجهزا بوسائل وأدوات تمكنه من تجاوز الصعوبات و العوائق التي تعترضه في حياته , فالبغريزة وهي قدرة فطرية لديه يتمكن من القيام بسلوكات مختلفة تنتهي إلى إشباع حاجاته ومطالبه , كما يأخذ الإنسان من المجتمع أدوات أخرى تمكنه من تجاوز صعوبات وعوائق من طراز آخر , فالبعادة وهي قدرة مكتسبة لديه يتمكن من مواجهة صعوبات الحياة اليومية التي تنتهي بتحقيق أغراضه العلمية والعملية , غير أن هناك من مطالب وعوائق تتجاوز عفوية الغريزة وتتحدى آلية العادة وتحتاج إلى قدرة عقلية بارعة تمكن صاحبها من القيام بعمليات التفكير العليا ومن ابتكار حلول جديدة لمشاكل طارئة وهذه القدرة هي الذكاء , فهل الذكاء يعود إلى تأثير العوامل الوراثية البيئية ؟ أو بمعنى آخر هل الذكاء نرثه عن الآباء أم ننتظر سخاء المجتمع ؟
الذكاء يعود إلى تأثير العوامل الوراثية ( الذكاء فطري ) :
يذهب بعض العلماء وخاصة علماء الوراثة إلى أن الصفات الوراثية هي التي تحدد مصير الإنسان من الناحية العقلية والجسمية فالوراثة هي التي تشكل الهيكل النفسي من غرائز وميول وطباع فيكون هذا عاطفي وذاك غضبي , كما تشكل الهيكل الذهني وسائر القدرات العقلية فيكون هذا ذكي و ذاك غبي , كما تشمل القدرات الجسمية أيضا فتحدد القوي والضعيف . وهذا ما أكد عليه علماء الوراثة أمثال " مندل و مورغان " وبعض علماء النفس أمثال ريبو , حيث أثبتوا توارث صفات ومميزات وقوى تحدد القدرات العقلية والجسمية ومعنى هذا أن الخصائص الوراثية لشجرة الأسرة هي التي تحدد قوى الذكاء أو ضعفه , مثلا أسرة باخ الألمانية يوجد بها 57 عبقريا . كما تحدد الوراثة طبيعة الجسم وخصائصه من قصر وطول ولون ... الخ .
مثلا في عائلة جيزو المكسيكية خاصية شاملة لكل أفرادها حيث يكسو الشعر الكثيف كل الجسم بما في ذلك الوجه. والنتيجة أن الذكاء يعود إلى عامل الوراثة .
حقيقة الذكاء يستند إلى الوراثة , ولكن لا يمكن إقامة الدليل العلمي على دور الوراثة وحدها وإلا كيف نفسر وجود أطفال يمتنعون بذكاء عال مع أنهم أبناء أسر متواضعة , أو اختلاف ذكاء التوائم .
الذكاء يعود إلى تأثير العوامل البيئية ( الذكاء مكتسب ) :
يذهب بعض العلماء وخاصة علماء الاجتماع إلى أن الإنسان مدين لبيئته ( الطبيعة والاجتماعية ) بجميع مقوماته العقلية والجسمية , فالبيئة تتميز بالتنوع والتغير وهي بخصائصها تحدد طبيعة الذكاء .
حيث يؤكد علماء الاجتماع على أن الفرد هو انعكاس لمجتمعه , وتجاربهم تثبت أن الذكاء يختلف باختلاف الأوضاع الاجتماعية والثقافية و الاقتصادية كما يرى علماء التربية أن الطفل يولد عجينة ونحن نشكله كما نشاء واستنتجوا أن تفاوت المستوى الثقافي بين الأسر هو الذي يحدد نسبة الذكاء . حيث أكد جيمس فريزر على دور الأسرة من حيث مستواها الاقتصادي والثقافي , ومن حيث عدد أفرادها في تشكيل ذكاء الأبناء .
لا شك في أن للبيئة الطبيعية والاجتماعية دور في تحديد الذكاء و لكن هل بمقدور البيئة أن تصنع من الأغبياء رجالا أذكياء أو العكس فالبيئة الواحدة والأسرة الواحدة تنتج تفاوتا في الذكاء .
الذكاء يعود إلى تأثير العوامل الوراثية والبيئة معا :
أن الذكاء الذي يوجد مع الفرد بالولادة هو مجرد استعداد فطري يحتاج إلى الرعاية والاهتمام لينتقل من حالة الوجود بالقوة إلى حالة الوجود بالفعل كما أن الذكاء الذي تنتجه البيئة ليس خلقا من العدم و إنما هو قائم على تاريخ سابق وما دور المجتمع إلا توفير الشروط التي تضمن له النمو السليم . وهذا ما يقول به " سبيرمن " أو ما يعرف بنظرية العاملين فالذكاء يكون بالقدرة العامة أي الاستعدادات الفطرية , وبالقدرة الخاصة أي جملة التقنيات والوسائل المكتسبة لابتكار الحلول .
لا يمكن رد الذكاء إلى العوامل الوراثية وحدها ولا إلى العوامل البيئية وحدها بل الذكاء قدرة كامنة في الفرد , والمجتمع بخصائصه و أساليبه المتنوعة يعمل على تنميتها وتطويرها بوسائله التعليمية وغيرها . وعليه فالذكاء هو نتاج التفاعل الحاصل بين الفطرة والاكتساب . فكلما كان الانسجام بين الوراثة والبيئة أكمل , كلما كان الذكاء أعلى وأرقى .

هل النسيان مرض ؟


نص السؤال : هل النسيان مرض ؟
إن الحديث عن الذاكرة باعتبارها قدرة تمكن صاحبها من حفظ الماضي واسترجاعه عند الضرورة من أجل التكيف , لا يعني أنها قدرة مطلقة تتحكم في التخزين والاسترجاع في جميع الأحوال والظروف بل يحدث وأن تختل الذاكرة فيصعب عليها حفظ الذكريات أحيانا , كما يصعب على صاحبها أحيانا أخرى استرجاع ما تم حفظه فتصبح الذاكرة عاجزة عن أداء دورها على الرغم من الجهد الذي يبذله الإنسان في سبيل ذلك و هو ما يعرف بالنسيان . فهل ظاهرة النسيان عند الإنسان حالة مرضية أم حالة عادية تعيشها الذاكرة ؟ بمعنى آخر هل فقدان الذكريات بشكل أو بآخر في نظر العلماء يعتبر مرضا ؟
النسيان مرض :  إن الذاكرة باعتبارها نفسية تعمل على حفظ الذكريات و استرجاعها عند الضرورة فإن كل فقدان أو عجز في الاستحضار يعتبر حالة سلبية . ومن بين العلماء الذين يرون أن النسيان مرض ريبو الذي فسر النسيان تفسيرا ماديا يرده إلى إصابة في الدماغ , فأية إصابة في خلايا القشرة الدماغية يؤدي حتما إلى زوال الذكريات المسجلة عليها , مما ينتج عنه فقدان الذكريات وهذا الفقدان قد يكون كليا فيبدأ من الحوادث القريبة العهد ويمتد إلى الأفعال والإشارات , كما يمكن و أن يتماثل المريض إلى الشفاء فيسترجع ذاكرته فتعود الذكريات وفقا للترتيب المعاكس لفقدانها , ومن بين الأمراض التي تصيب الذاكرة : الأمنيزيا, الأفازيا .. ( راجع أمراض الذاكرة ) .
أما فرويد فقد اعتبر النسيان كبت في جانب اللاشعور , فالمريض لا ينسى كل الحوادث التي عاشها في الماضي وإنما ينسى بعض الحوادث المؤلمة التي لا يرغب في تذكرها فهي التي تستقر في اللاشعور لأن الأنا يعمل على إبعادها من ساحة الشعور . ونتيجة هذا التفسير فإن النسيان مرض مهما كانت أسبابه , وهو يعيق نشاط الفرد .
لكن ليس كل نسيان مرض , فقد يكون النسيان شرطا لحياة الذاكرة نفسها , إذ منه يكون نفسيا وتلقائيا لعدم الحاجة إليه دون كبت ولا تلف لخلايا الدماغ .
النسيان حالة عادية :  إن الذاكرة لا تعني حفظ كل آثار الماضي ثم استعادتها جميعا , بل ينتقي الإنسان ما هو ضروري وموافق لاهتماماته , ومن هنا يكون أمرا عاديا وطبيعيا أن ينسى إنسان بعض آثار الماضي , ومن بين الفلاسفة الذين يرون أن النسيان حالة عادية " برغسون " الذي اعتبر النسيان حالة طبيعية يعيشها الفرد إذ لا يتذكر من الماضي إلا ما كانت له علاقة بالواقع الذي يعيش فيه , إذ لا يلتفت الإنسان إلى الماضي إلا لحاجة في التكيف , إذ حاول برغسون إثبات أن الحوادث السابقة لا تمحى , وأن الذكريات المنسية لا تتلف أبدا . ولهذا انتقد برغسون ريبو بشدة في الذاكرة المرضية .
كما أن بعض علماء النفس الحديث يرجعون ظاهرة النسيان إلى بعض العوامل كعامل الترك والضمور فاختفاء بعض الذكريات يكون نتيجة تركنا لها نظرا لعدم احتياجاتنا إليها , فالإنسان يتذكر ما يلائمه وينفعه ويفيده , فالتذكر اختيار , وبناء على ما سبق يكون النسيان ظاهرة عادية تعيشها الذاكرة لا حالة سلبية .
لكن لا يمكن اعتبار كل نسيان حالة عادية , فقد ينسى الإنسان بعض الحوادث التي هو في أمس الحاجة إليها ولا يمكن اعتبار ذلك إلا حالة سلبية تعيق الإنسان في نشاطه .
النسيان من طبيعة الذاكرة :
إن الإنسان الذي يشتكي من زوال المعلومات والآثار الماضية والذي يأسف عن عدم قدرته في استرجاع بعض الذكريات الجميلة , فيصف ذاكرته بالخائنة هو الإنسان الذي يشعر بحاجة في نسيان ما تم اكتسابه من معارف و خبرات ماضية حتى يفسح المجال لذاكرته في تحصيل علوم جديدة , وهو الذي يشعر برحمة النسيان في تجاوزه لآثار الذكريات المؤلمة والحقد و الكراهية التي تعتري الحياة الاجتماعية للناس , وهكذا لا يعتبر النسيان حالة مرضية وسلبية دائما , كما لا يعتبر حالة عادية وطبيعية دائما .
فالذاكرة السليمة ليست تلك الذاكرة التي يصيبها النسيان و إنما الذاكرة التي تنتقي موضوعاتها فتحتفظ بما هو ضروري لها وتطرح الباقي جانبا فتكسب قدرة جديدة على الحفظ والاسترجاع .
إن النسيان ظاهرة تفترضها طبيعة الذاكرة فهو شرط من شروط توازنها وسلامتها , والحكم على النسيان بأنه نقيض الذاكرة حكم ساذج فالنسيان ليس نفيا للذاكرة و لا نقيضا لها في جميع الأحوال , فلولا النسيان لما استطاع الإنسان أن يتكيف مع المواقف الجديدة وهذا لا يعني أن النسيان حالة إيجابية دائما بل قد يكون سلبيا ومعيقا لصاحبه متى كان مرضيا .

الذاكرة


الذاكرة .
نص السؤال : هل الذاكرة مرتبطة بالدماغ وحسب ؟
إن حياة الإنسان لا تقتصر على معرفة الحاضر فقط , فهو يعيش الزمن بأبعاده الثلاثة , الماضي والحاضر والمستقبل , فإذا ما انقطع عن إدراك الحاضر عاد إلى تفحص الصور الذهنية المدركة التي أصبحت من الماضي لتعاقب الزمن عليها . وهذه الصور الذهنية التي هي في الواقع من مدركات الماضي تتطلب من الإنسان قدرة عقلية فعالة لاسترجاعها في الزمن الحاضر مما يثبت أنها كانت مخزنة في جانب ما تم تذكرها أي استدعاؤها إلى الزمن الحاضر , وعليه فهل التخزين والتذكر يعودان إلى نشاط الدماغ وحده ؟ بمعنى آخر هل الذاكرة ذات طبيعة فيزيولوجية " عضوية " ؟
الذاكرة وظيفة عضوية مرتبطة بالدماغ :
يفسر بعض الفلاسفة والعلماء الذاكرة تفسيرا ماديا بردها إلى دور الأعضاء وخاصة الدماغ في حفظ الذكريات وفي استرجاعها حيث قال عنها ابن سينا : " إنها قوة محلها التجويف الأخير من الدماغ من شأنها حفظ ما يدركه الوهم من المعاني الجزئية " . فوظيفة الذاكرة بهذا المعنى هي الحفظ والتذكر , وهذا الرأي نجده عند ديكارت الذي كان يقول : " إن الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم " و المقصود بذلك هو الدماغ وهذا ما عبر عنه " تين Taine " بقوله : " المخ وعاء لحفظ الذكريات " .
غير أن التفسير المادي للذاكرة تبلور بشكل أكثر وضوحا مع ريبو Ribot .ومن خلال كتابه " أمراض الذاكرة " حيث قال : " إن الذاكرة بطبيعتها عمل بيولوجي " . كما قال أيضا : " الذاكرة وظيفة عامة للجهاز العصبي ... " فالذكريات عنده تثبت في الجهاز العصبي أي في الدماغ الذي يعتبره بمثابة وعاء للذكريات , فالذاكرة بمثابة الأسطوانة تخزن الذكريات كما تخزن الأخرى الأغاني وتبعث بمؤثرات الحاضر , والذكريات تثبت بطريقة آلية حيث تنطبق حركاتها مع الجهاز العصبي وهي بذلك شبيهة بالعادة , وأي مرض أو إتلاف يصيب الخلايا العصبية يؤدي إلى إتلاف الذكريات الموجودة هناك , و يكون هذا التحلل أو الفقدان حسب قوانين ثابتة تظهر في قوله : " إن فقدان الذكريات عند التحلل الجزئي تتبع طريقة لا تتغير أسماء الأعلام فأسماء الأجناس ... فالإيماءات أما عند التحلل العام فالحوادث القريبة العهد فالأفكار ... فالأفعال . كما أن عودتها تكون وفقا للترتيب المعاكس لفقدانها " .
لا شك في أن للدماغ دورا في حفظ وبعث الذكريات , ولكن ربط الذاكرة بالدماغ وحده فيه مبالغة خاصة فيما يتعلق بأمراض الذاكرة وفقدانها بشكل مرتب وحسب قوانين .
الذاكرة وظيفة نفسية لا ترتبط بالدماغ :
يذهب بعض الفلاسفة والعلماء إلى تفسير الذاكرة تفسيرا روحيا لا ماديا وعلى رأس هؤلاء " برغسون " الذي انتقد النظرية المادية وخاصة نظرية ريبو في تعلق الذاكرة بالدماغ حيث يرى أنه يحدث وأن تعود فجأة الذكرى التي كنا نظن أنها أتلفت وهذا بفعل تأثير قوي على النفس فهل من المعقول أن يحدث ذلك لو أنها كانت نتيجة إتلاف خلايا الدماغ ؟ كما انتقد ريبو بشدة في الذاكرة المرضية حيث يقول : " أفلا يكون من الغريب حقا أن يمس هذا المرض هذه الخلايا بالترتيب ؟ " .
وهكذا يخلص برغسون إلى أن ريبو قد اخلط بين نوعين من الذاكرة :
أ- الذاكرة العادة : وهي ذاكرة جسمية أو حركية وهي حركات مخزونة في الجسد تكونت نتيجة تكرارها .
ب- الذاكرة الروحية : وهي ذاكرة بسيكولوجية  شعورية أو لاشعورية ) وهي نفسية خالصة تولد تامة , تحفظ ذكريات الماضي دفعة واحدة بصورة مستقلة عن الدماغ , فهي من طبيعتها ألا تتكرر . فالذكرى تتردد بين الشعور و اللاشعور وما الدماغ إلا أداة استحضار وما دامت الذكرى روحية فلا معنى للسؤال أين توجد ؟ وقولنا أنها موجودة في الفكر يكون على سبيل المجاز فقط .
لا نشك في أن الذاكرة ترتبط بالنفس , وفي أن التمييز بين الذاكرة الحركية والنفسية يزيد الموضوع وضوحا , لكن الفصل التام بين ما هو عضوي وما هو نفسي فيه مبالغة , والتجربة تثبت استرجاع الذكرى يحتاج إلى سند مادي ملائم . فالذكريات قد تبعثها حركات جسمية .
الذاكرة ليست وظيفة فردية ( فيزيولوجية أو بسيكولوجية ) بل نشاط جماعي :
يذهب بعض الفلاسفة إلى تجاوز التفسير المادي والتفسير الروحي باعتبار الذاكرة وظيفة اجتماعية بحيث تتدخل المفاهيم الاجتماعية من تفكير ولغة و عادات ...الخ . في عملية التذكر مما يجسد التعاون بين الذاكرات . حيث يقول " هالفكس " في كتابه " الأطر الاجتماعية للذاكرة " : " إن الماضي لا يحتفظ به , انه يعاد بناؤه انطلاقا من الحاضر , والذكرى تكون قوية لما تنبعث من نقطة التقاء الأطر والنسيان هو نتيجة اختفاء هذه الأطر " . هكذا تصبح الذاكرة نشاطا اجتماعيا وليس عملا فرديا , فالذاكرة الحقة عنده هي الذاكرة الاجتماعية الناتجة عن التفاعل بين الأفراد .
إن الذاكرة باعتبارها صفة إنسانية هي مرتبطة هي مرتبطة بنشاط الفرد في حياته اليومية وبذلك تتدخل فيها معطيات متشبعة منها الجانب الجسمي ممثلا في دور الدماغ والجانب الروحي ممثلا في الحياة النفسية بجانبيها الشعوري و اللاشعوري بالإضافة إلى العلاقات الاجتماعية للفرد بأطرها ومفاهيمها الاجتماعية .

أيهما أهم في الإدراك : العوامل الذاتية أم العوامل الموضوعية ؟


نص السؤال : أيهما أهم في الإدراك : العوامل الذاتية أم العوامل الموضوعية ؟
إذا كان علم النفس التقليدي قد نظر إلى الشروط الذاتية النفسية والعقلية و البيولوجية على أنها مجموعة العناصر الأولية والضرورية في حدوث عملية الإدراك . وإذا كان علم النفس الحديث يعتبر ذلك خطأ وراح يصحح هذه النظرة منطلقا من أن العوامل الموضوعية هي الضرورية في عملية الإدراك , فإلى أي منهما تعود الأفضلية في حصول عملية الإدراك إلى الذات أم إلى الموضوع ؟
الأفضلية في الإدراك تعود إلى عوامل ذاتية :
يذهب بعض العلماء وخاصة علماء النفس التقليدي إلى أن العوامل الذاتية مثل الاستعدادات العقلية هي التي تمكن من الإدراك , فالإنسان عندما يكون مرتاحا تكون لديه قدرة على الانتباه والتركيز أفضل مما يكون في حالة قلق , كما يدرك الفرد بسهولة الأشياء التي تتفق مع ميوله ورغباته ...
وهذا الموقف نجده عند الذهنيين أمثال " ديكارت " : " الإدراك حكم عقلي " وعند التجريبيين أمثال " جورج بركلي " : " إدراك المسافات حكم يستند إلى التجربة " . كما يقف " بيرلو " من خلال تجاربه على أطفال عرب ( إدراك الأشياء من اليمين إلى اليسار) وغير العرب ( إدراك الأشياء من اليسار إلى اليمين ) أن الإدراك راجع إلى دور العادة .
لكن العوامل الذاتية وحدها غير كافية , وإلا تمكن الجميع من الإدراك لأن قدرة العقل مشتركة كما أن القدرات العقلية أحيانا لا يمكنها تجاوز العوائق الخارجية .
الأهمية في الإدراك تعود إلى العوامل الموضوعية :
يذهب البعض الآخر من العلماء وخاصة علماء النفس الحديث إلى أن الإدراك يعود إلى الموضوع الخارجي , لا إلى الاستعدادات العقلية فالشكل الخارجي للموضوع وبناؤه العام هو الذي يحدد درجة الإدراك وهذا الرأي نجده عند علماء الجشطالط كوهلر , بوهلر و فرتيمر الذين ركزوا على الصفة الكلية للموضوع واعتبروها أساس الإدراك فالجزء لا يكتسب معناه إلا داخل الكل الذي ينتظم وفق قوانين يسميها الجشطالط قوانين الانتظام و هي تتحكم في العلاقة بين الصورة والخلفية , فعندما تكون هذه العلاقة منتظمة تبرز الصورة الفضلى أي الصيغة البارزة . أما إرادة الإنسان فلا تتدخل إلا في حالة وجود صورتين فضليين مثلا في الشكل : وجهان متقابلان أو مزهرية .
لكن العوامل الموضوعية وحدها غير كافية هي الأخرى و إلا تساوى الإدراك عن جميع المدركين لأن الموضوع واحد , كما أن لكل إنسان اهتمامه فلا يعود للصورة الفضلى الأفضلية في الإدراك عند الجميع .
الإدراك يكون بتظافر العوامل الذاتية مع العوامل الموضوعية :
إن العلاقة بين العوامل الذاتية والعوامل الموضوعية يبدو على أنها علاقة تنافر باعتبار أن الأولى داخلية وتتعلق بخصائص شخصية الفرد و أحواله الذاتية . والثانية خارجية وتتعلق بالمحيط الذي يوجد فيه الشخص , والواقع أن هذه العلاقة هي علاقة تجاور لأننا من الناحية العملية لا نستطيع أن نفصل بين ما هو داخلي وما هو خارجي فالفرد يدرك بالاعتماد عليهما معا .
إن حصول عملية الإدراك عند الإنسان لا يمكن ردها إلى العوامل الذاتية وحدها فقط وإنما الإدراك عملية تتم عن طريق التكامل والتعاون بين العوامل الذاتية والعوامل الموضوعية .

إشكالية الإدراك


إشكالية الإدراك .
نص السؤال : هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟
الإحساس : ظاهرة نفسية متولدة عن تأثر إحدى الحواس بمؤثر ما , وبذلك فهو أداة اتصال بالعالم الخارجي ووسيلة من وسائل المعرفة عند الإنسان بينما الإدراك هو عملية عقلية معقدة نتعرف بها على العالم الخارجي بواسطة الحواس ومن خلال تعريفها تظهر العلاقة القائمة بينهما والتقارب الكبير الذي يجمعهما مما أثار إشكالا لدى الفلاسفة وخاصة علماء النفس حول الذي يجمعهما مما أثار إشكالا لدى الفلاسفة وخاصة علماء النفس حول إمكانية الفصل بينهما أو عدمه, بمعنى إن شعور الشخص بالمؤثر الخارجي و الرد على هذا المؤثر بصورة موافقة هل نعتبره إحساس أم إدراك أم أنهما مع يشكلان ظاهرة واحدة ؟
إمكان الفصل بين الإحساس والإدراك :
يؤكد علم النفس التقليدي على ضرورة الفصل بين الإحساس و الإدراك و يعتبر الإدراك ظاهرة مستقلة عن الإحساس انطلاقا من أن الإحساس ظاهرة مرتبطة بالجسم فهو حادثة فيزيولوجية ومعرفة بسيطة , أما الإدراك فهو مرتبط بالعقل . أي عملية عقلية معقدة تستند إلى عوامل كالتذكر والتخيل و الذكاء وموجه إلى موضوع معين . فيكون الإحساس معرفة أولية لم يبلغ بعد درجة المعرفة بينما الإدراك معرفة تتم في إطار الزمان والمكان . حيث يقول " ديكارت " : " أنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب أني أراه بعيني " . ويقول " مين دوبيران Maine de Biran : " الإدراك يزيد على الإحساس بأن آلة الحس فيه تكون أشد فعلا والنفس أكثر انتباه ... " .
وكما يختلف الإدراك عن الإحساس فكذلك يختلف عن العاطفة لأن الإدراك في نظرهم حالة عقلية والعاطفة حالة وجدانية انفعالية .
لكن إمكانية الفصل بين الإحساس و الإدراك بشكل مطلق أمر غير ممكن باعتبار أن الإدراك يعتمد على الحواس . حيث قال التهانوي : " الإحساس قسم من الإدراك " وقال الجرجاني : " الإحساس إدراك الشيء بإحدى الحواس " .
استحالة الفصل بين الإحساس والإدراك :
يؤكد علم النفس الحديث على عدم إمكانية الفصل بين الإحساس والإدراك كما أن الفلسفة الحديثة تنظر إلى الإدراك على أنه شعور بالإحساس أو جملة من الاحساسات التي تنقلها إليه حواسه , فلا يصبح عندها الإحساس و الإدراك ظاهرتين مختلفتين وإنما هما وجهان لظاهرة واحدة , ومن الفلاسفة الذين يطلقون لفظ الإحساس على هذه الظاهرة بوجهيها الانفعالي والعقلي معا " ريد Reid  " حيث يقول : " الإدراك هو الإحساس المصحوب بالانتباه " .
بينما يبني الجشطالط موقفهم في الإدراك على أساس الشكل أو الصورة الكلية التي ينتظم فيها الموضوع الخارجي , فالجزء لا يكتسب معناه إلا داخل الكل . فتكون الصيغة الكلية عند الجشطالط هي أساس الإدراك . فالإدراك يعود إلى العوامل الموضوعية . فالصيغ الخارجية هي التي تفرض قوانينها علينا و تؤثر على إدراكنا , وبذلك فهي تحد من قدراتنا العقلية . وعليه فالإدراك ليس مجموعة من الاحساسات و إنما الشكل العام للصورة هو الذي يحدد معنى الإدراك . فالثوب المخطط عموديا قد يزيد من أناقة الفتاة , وذات الثوب بخطوط أفقية قد يحولها إلى شبه برميل .
لكن رد الإدراك بشكل كلي إلى الشكل الخارجي أمر لا تؤكده الحالة النفسية للإنسان فهو يشعر بأسبقية الإحساس الذي تعيشه الذات كما أن رد الإدراك إلى عوامل موضوعية وحدها , فيه إقصاء للعقل ولكل العوامل الذاتية التي تستجيب للمؤثر . وإلا كيف تحدث عملية الإدراك ؟ ومن يدرك ؟
الإدراك ينطلق من الإحساس ويتجه نحو الموضوع :
إن الإدراك عملية نشيطة يعيشها الإنسان فتمكنه من الاتصال بالموضوع الخارجي أو الداخلي , وهو عملية مصحوبة بالوعي فتمكنه من التعرف على الأشياء . والإدراك يشترط لوجوده عمليات شعورية بسيطة ينطلق منها . و هو الإحساس , بكل حالاته الانفعالية التي تعيشها الذات المدركة , ووجود الموضوع الخارجي الذي تتوجه إليه الذات المدركة بكل قواها وهو ما يعرف بالموضوع المدرك .
إن الاختلاف بين علم النفس التقليدي الذي يميز بين الإحساس و الإدراك , وعلم النفس الحديث الذي لا يميز بينهما باعتبار أن العوامل الموضوعية هي الأساس في الإدراك يبقى قائما . غير أن التجربة الفردية تثبت أن الإنسان في اتصاله بالعالم الخارجي وفي معرفته له ينطلق من الإحساس بالأشياء ثم مرحلة التفسير والتأويل فالإحساس مميز عن الإدراك ليسبقه منطقيا إن لم يكن زمنيا .

عناوين المقالات

إشكالية الإدراك إشكالية العدل إشكالية تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية الإحساس والإدراك الاستبيان الأمة الانفعالات التفكير الرياضي التفكير العلمي الحداثة في الأدب العربي الحرية والتحرر. الدولة والأمة الذاكرة الذكاء والتخيل الذكاء والذاكرة الشخصية والطبع الشعور واللاشعور الشغل والتنظيم الاقتصادي الطبيعة والثقافة العادة وأثرها العادة وأثرها على السلوك الفرضية شرط ضروري في كل بحث علمي الفلسفة نمط متميز من التفكير ما الذي يبرر ذلك ؟ اللغة و الفكر اللغة والتواصل المسؤولية و الجزاء المشكل الأخلاقي المغالطات في الفلسفة النص لـ غاستون باشلار Gaston Bachelard : النموذج والبراديغم أيهما أجدر بتحقيق العدالة : القانون أم الأخلاق ؟ أيهما أهم في الإدراك : العوامل الذاتية أم العوامل الموضوعية ؟ فلسفة فن النحت لا يوجد غيري فأنا وحدي الذي أقرر الخير واخترع الشر ما الدليل على وجود اللاشعور ؟ ما العلاقة بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي ؟ ما دور الثقافة في حياة الإنسان ؟ ما علاقة الطبيعة بالثقافة ؟ ما قيمة القياس؟ طريقة جدلية مقال حول أصل المعرفة الإشكال مقالة جدلية حول أصل المفاهيم الرياضية لأسئلة مقالة حول الحقيقة العلمية والحقيقة الفلسفية مقالة/ ھل أصل المفاھيم الریاضية تعود إلى العقل أم إلى التجربة؟ منهجية و مناهج البحث العلمي هل الإبداع ظاهرة فردية خاصة ؟ هل الاستبطان كاف لفهم سلوك الإنسان ؟ هل التجربة شرط في كل معرفة علمية ؟ هل المجتمع بالنسبة للفرد أداة قمع أم أداة تحرر؟ هل المجرم المسؤول الوحيد عن جرائمه ؟ هل النسيان مرض ؟ هل الوراثة وحدها كفيلة بإحداث فروق فردية ؟ هل تكفي المنافسة الحرة لتحقيق الرخاء الاقتصادي ؟ هل يشكل الشعور مجمل الحياة النفسية عند الإنسان ؟ هل يقوم الهيجان بوظيفة إيجابية دائما في حياة الفرد ؟ هل يمكن الاستغناء عن الفرض العلمي؟ هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟ هل يمكن القول ان العقل هو اساس القيمة الاخلاقية ؟