الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

ما علاقة الطبيعة بالثقافة ؟


نص السؤال : ما علاقة الطبيعة بالثقافة ؟
كتابة المقالة :
المقدمة : ( الحذر من المظاهر)
إذا كانت الطبيعة هي ما تميز به الإنسان من صفات فطرية والثقافة هي تلك الصفات المكتسبة . وإذا كانت من عادات الإنسان أن يعرف الأشياء بأضدادها . أمكننا القول أن الطبيعة ضد الثقافة لأن الإنسان الطبيعي الذي يكون على الفطرة ضد الإنسان المتحضر المتصف بالعلوم وبما أنهما يوجدان لدى الفرد الواحد .
- فما هي العلاقة القائمة بين الطبيعة والثقافة ؟
التحليل :
1- أوجه الاتفاق : إن التشابه بين الطبيعة والثقافة يتمثل في كون كل منهما قدرة يوظفهما الإنسان في محاولات التكيف مع المواقف التي تواجهه .
فالطبيعة والثقافة كلاهما عبارة عن مادة يتسلح بها الإنسان في حياته اليومية فالأولى أقرب إلى المادة الخام . والثانية أقرب إلى كونها مادة جاهزة .
2- أوجه الاختلاف : إن من أشد الاختلافات بين الطبيعة والثقافة أن الطبيعة فطرية توجد مع الإنسان منذ الولادة , ويترتب عن ذلك أنها ثابتة ومشتركة لدى النوع البشري . يوجدها الله تعالى ولا يوجدها الإنسان . أما الثقافة فهي مكتسبة أي مأخوذة من المجتمع عن طريق التربية والتعليم . وهي قابلة للإثراء و يترتب عن ذلك انهما من إبداع الإنسان . فهي تمثل ما أنتجه الإنسان بيده وعقله
3- مواطن التداخل : إن العلاقة بين الطبيعة والثقافة ينظر إليها البعض على أنها علاقة تداخل وتكامل باعتبار أنه يصعب علينا التميز في كثير من الأحيان بين ما هو ثقافي وما هو طبيعي عند الإنسان مثلا: ظاهرة الأكل .
كما ينظر آخرون إلى هذه العلاقة على انه صراع وتضاد بينهما باعتبار أن ما هو ثقافي يتعارض مع ما هو طبيعي . مثلا : الغرائز والقيم الدينية والأخلاقية .
الخاتمة : ( نسبة الترابط )
نستنتج مما سبق أن الثقافة تختلف عن الطبيعة ولكن بوجودهما لدى الفرد الواحد فهما يظهران في شكل تداخل أحيانا . نظرا لأننا لا يمكن أن نعزل العناصر الثقافية عن العناصر الطبيعية كما يظهران في صورة تضاد أحيانا أخرى كون العناصر الثقافية جاءت لتهذيب العناصر الطبيعية أو الحد منها .

ما دور الثقافة في حياة الإنسان ؟


نص السؤال : ما دور الثقافة في حياة الإنسان ؟
كتابة المقالة :
المقدمة : ( الإحاطة بموضوع الثقافة ) .
إن الثقافة مرتبطة بالإنسان وحده دون الكائنات الأخرى و ينعدم معنى الثقافة بانعدام الجنس البشري وهي تمثل مفهوما واسعا من حياته باعتبارها كل ما يضاف إلى الطبيعة الفطرية لدى الإنسان فما هو الدور الذي تلعبه في حياته ؟
التحليل :
طبيعة الثقافة ودورها في حياة الإنسان : الثقافة ذات مفهوم واسع وقد عرفها الفلاسفة بتعاريف مختلفة فهي العناية بالأرض عند الفرنسيين وهي القيم الروحية عند الألمان , وهي غالبا ما تعرف على أنها مجموعة الأنماط والأشكال الاجتماعية للسلوك المكتسب .
من خصائصها أنها متعددة ومختلفة فلكل مجتمع ثقافته وهي شيء مكتسب يضاف إلى الطبيعة الأصلية عند الإنسان وهي خاصية إنسانية و تتجلى فيما يقوم به الإنسان في سلوكات وهي ما يبقى عند الإنسان عندما ينسى كل شيء .                               
وجود ثقافة : إن الثقافة تشكل كل القيم المادية والروحية التي أنتجها الإنسان وهي تمثل مظاهر التكيف الإنساني مع الطبيعة أولا فهي بذلك تكون في وجودها ملازمة لوجود الإنسان باعتبارها تمثل هذا الامتداد الواسع الذي يمتد من الصراع المباشر مع الطبيعة إلى غزو الفضاء مرورا بمختلف التحولات التي عرفها الإنسان عبر التاريخ .
قيمة الثقافة : إن المتأمل في تاريخ الإنسان يكتشف أن الإنسان في بداية الأمر كان أصغر من الطبيعة وأضعف منها بكثير , يخاف من غضبها و لا يستفيد من رضاها وهذا بفضل ما أنجزه بعقله وهو الثقافة التي بدونها ما كان ... ليقوى على هزم الطبيعة و لا تحقيق النصر .
الخاتمة : ( حقيقة الثقافة ) .
إن الثقافة هي التي جعلت من الإنسان أكثر من شيء بسيط في هذا الكون وقيمة الإنسان أكثر من شيء بسيط في هذا الكون وقيمة الإنسان تقاس بثقافته وبالثقافة يكشف الإنسان عن قدراته و طاقاته الكامنة فيه وعليه فالثقافة هي التي تميز الأقوام المتحضرين عن الأقوام الهمجيين .

الطبيعة والثقافة


الطبيعة والثقافة

نص السؤال : هل ثقافة الإنسان تنسجم مع طبيعته دائما ؟
* لطريقة الجدلية
كتابة المقالة :
المقدمة : " يولد الولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه " فقد كشف الحديث الشريف عن وجود جانب فطري في الإنسان مثل القدرات الكامنة فيه بالولادة , وجانب مكتسب هو قابلية هذه القدرات للنمو والتطور في ظل ما يقدمه المجتمع , ولكن هذان الجانبان ( الفطري والمكتسب ) هل هما متضدان أم متكاملان ؟ بمعنى آخر هل ما يكتسبه الإنسان " الثقافة " يضاف إلى ما هو موجود لديه بالفطرة " الطبيعية " أم يعارضه ويقاومه ؟ بمعنى آخر هل العلاقة بين الثقافة والطبيعة هي علاقة تضاد وتنافر أم علاقة انسجام وتكامل ؟
التحليل :القضية : ما هو ثقافي يعتبر مكملا لما هو طبيعي عند الإنسان .
الحجة: إن الطبيعة باعتبارها المحيط ( أي الواقع الموضوعي المستقل عن الفرد) أو باعتبارها الطبيعة البيولوجية (أي الفطرة والغريزة عند أفراد النوع البشري ) فإنها قابلة للتأثر والإنسان أدرك منذ القدم قدرته على التأثير في الطبيعة الموضوعية , حيث صنع أدوات ومعدات للعمل مكنته من استغلالها , ومع التطور الفكري والعلمي اكتشف الإنسان ذاتيته بقدراتها و اندفاعاتها فراح يستغل هذه المعرفة المكتسبة في فهم العوائق الموضوعية و الذاتية من أجل إحداث التكيف معها في تحسين الطرق البيداغوجية إلا محاولة لإبراز القدرات الفطرية كالذكاء والموهبة ...إلخ . وما التعليم إلا استغلالا لقدرات العقل وما الرياضة إلا استغلالا لقدرات الجسم فالثقافة تعمل على تنمية السلوك في حدود ما تقدمه الطبيعة .
النقد : لكن ما هو ثقافي لا يقبل دائما الانسجام مع ما هو طبيعي فالكثير من العادات والقيم والقوانين تحد من الاستعداد الطبيعي الكامن لدى الفرد .
النقيض :ما هو ثقافي يعتبر معارضا لما هو طبيعي عند الإنسان .
الحجة : وكما أن الإنسان أدرك بقدرته على التأثير في الطبيعة سواء الذاتية أو الموضوعية بما يحقق له التلاؤم والانسجام والتكامل معها فكذلك أدرك قدرته على الحد من تأثيرها عليه فأبدع وسائل للحد من مخاطر الطبيعة وصعوباتها كالسدود و الأنفاق ... كما هذب دوافعه و اندفاعاته الطبيعة كالأنانية وحب السيطرة بما أوجده من قوانين وقيم اجتماعية وبما أوحى إليه الله من مبادئ ومثل دينية وأخلاقية فما التربية إلا وضع حد لطغيان الغرائز وبذلك فالثقافة جاءت لتقف في وجه الطبيعة حتى يعيش الإنسان في وفاق مع الآخرين .
النقد : لكن ما هو ثقافي ليس مكملا دائما ولا معارضا دائما لما هو طبيعي .
إن الطبيعة والثقافة باعتبارهما قدرتان كامنتان عند الإنسان فهما متداخلتان إلى درجة الترابط الوثيق إذ لا يمكن الفصل بينهما إلا نظريا وما يتعارضان أحيانا ويتكاملان أحيانا أخرى .
الخاتمة :إن الفطري والمكتسب أي الطبيعة والثقافة شيئان ملازمان لشخصية الفرد أحيانا وفق ما تمليه عليه غرائزه و أحيانا وفق ما تمليه عليه ثقافته وعليه فالصراع بينهما والانسجام بينهما باق وملازم له في حياته وهذا من أجل التكيف.       

العادة وأثرها


العادة وأثرها
مقدمة :
إذا كان من الطبيعي أن يكون الانفعال نتيجة للمؤثرات التي يتلقاها الفرد من بيئته مما يجعل الانفعال ظاهرة طبيعية بل و ضرورية في كثير من المواقف غير أن الانفعال إذا كان شديدا و قويا أي هيجانا كان تأثيره سلبي في أغلب الأحيان مما يؤدي إلى ضرورة تعديله على أن هذا التعديل يمكن أن يكون فطريا خالصا كما هو الشأن لدى بعض الحيوانات و يمكن أن يخضع للإرادة و بالتالي يكون مكتسبا و خاصة عند الإنسان فالاكتساب بهذا المعنى هو تحصيل بعض الخبرات و الاستغاثة بها لتحقيق التكيف مع الوسط و هذا ما يفسر الطابع المتطور لسلوك الإنسان. غير أن عملية الاكتساب لدى الإنسان ليست آلية البدء بل يبذل الفرد جهدا كبيرا لتحقيق ذلك و لكن سرعان ما يبدأ الجهد في الزوال و باكتساب السلوك يصبح صدوره عفويا أو آليا مما يفسح المجال لاكتساب سلوك جديد، و لنأخذ على سبيل المثال ركوب الدراجة في البدء تكون العملية شاقة و صعبة تكون مصحوبة بتركيز شديد للجسم و انتباه قوي على المستوى انفسي و تكون مشوبة بالحذر و الخوف من السقوط شيئا فشيئا يتحقق التوازن و تصبح العملية سهلة أكثر لدرجة يمكن قيادة الدراجة بأدنى جهد مع إمكانية التفكير في أمور أخرى.
يمكننا القول هنا أن هذا السلوك بدأ بالتعلم و انتهى على شكل عادة و السؤال المطروح ماذا نعني بالعادة؟ و ما أثرها على السلوك؟
مفهوم العادة:
العادة هي النشاط الذي يتكرر صدوره عن الفرد بطريقة سهلة لا مشقة فيها.
النقد: نلاحظ أن هذا المفهوم يمكن أن ندخل في إطاره السلوك الفطري فهل هذا يعني أن سلوك العادة مساوي للسلوك الغريزي الفطري؟
رغم ما بينهما من تشابه في كونهما تلقائيان يصدران بسهولة و لا نبذل من خلال ذلك أي جهد. فهما يختلفان كثيرا و يمكن أن نرصد هذا الاختلاف فيما يلي:
السلوك الغريزي فطري في حين سلوك العادة مكتسب.
السلوك الغريزي عام و شامل لكل أفراد النوع في حين سلوك العادة خاص.
السلوك الغريزي حيوي من حيث الدور أما العادة فدورها حضاري إن صح هذا التعبير أي أنها تسهم في تطور السلوك.
إن هذه الاختلافات تفرض علينا إعادة تشكيل مفهوم للعادة.
"العادة سلوك مكتسب متصلب يؤدي إلى نوع من الآلية شبيه بما نلاحظه في السلوك الفطري"
خصائص العادة: " العادة سلوك مكتسب قائم على التكرار يتصف بالتنوع و القابلية للتغير النسبي".
التنوع: يتميز سلوك العادة بالتنوع إذ يمكننا إحصاء أنواع عدة منها:
1- العادات الجسمية:
عادة عضوية و تتمثل في الكيفيات التي يقوم بها الجسم تجاه الطقس و التغذية و حتى السموم و هذا النوع من العادة مشتركة بين الكائنات الحية.
عادة حركية: و هي تكرار لحركات معينة تعب فيها المرونة العضلية و العصبية دورا أساسيا مثلا براعة العازف على البيانو- الضارب على الآلة الكاتب، أو المتزحلق على الجليد.
2- العادات النفسية:
1- عادة انفعالية أي أننا نتعود أن نكره بعض المواضيع و أن نحب أخرى و بمعنى آخر يستقطب موضوعا ما حالة انفعالية ما و بالتكرار تصبح عادة.
2-عادة ذهنية: و هو ما نلاحظه من ميل لبعض الأشخاص إلى تطبيق بعض القواعد و إهمال أخرى مثلا الشخص الذي يتمرس على الأساليب لمنطقية و المنهجية يميل عفويا إلى الوضوح و الدقة.
3- العادات الاجتماعية: و تتمثل أساسا في القواعد الاجتماعية التي نتلقاها من المجتمع والتكرار فتصبح قوالب جاهزة نتصرف وفقها.
التفاعل: إن اكتساب العادات لا يعني أنها ثابتة بشكل مطلق بل يمكن كف بعض العادات أو تغييرها بعادات أخرى و هذا ما يسمى بتفاعل العادات.
و يستغل علماء النفس هذه الخاصية في كف بعض العادات السلبية عن طريق الاشتراط فالطفل الذي يخاف من بعض الحيوانات كالقطط مثلا يستغل دافع الجوع عند الطفل و عند تقديم الطعام للطفل يوضع الحيوان إلى جانبه و بالتكرار تكف عادة الخوف من القطط.
كما يمكن كف بعض العادات عن طريق الإبدال.
فكف عادة التدخين يكون مثلا بعود السواك. و بالقدر الذي تكف به بعض العادة يمكن إحياء بعض العادات الأخرى بسهولة فمثلا التدخين يمكن العودة إلى عادة التدخين مع أول سيجارة، أو مثلا التدرب على مهن معينة و يقال في هذا الشأن "إحياء العادة أيسر من كفها".
أثر العادة في السلوك: إن الاهتمام بسلوك العادة و محاولة معرفته و فهمه الغرض منه معرفة مدى تأثيرها في السلوك، و لئن كان الاتفاق سائدا في أن العادة تؤثر في السلوك فإن العلماء اختلفوا في وصف هذا التأثير فمنهم من يرى أن للعادة تأثير سلبي في السلوك حتى قيل "خير عادة أن لا يكون للمرء عادة" و منهم من رأى عكس ذلك و أكد التأثير االإيجابي لها لدرجة قيل معها "لو لا العادة لكنا نقضي اليوم كاملا لقيام بأعمال تافهة".
ترى أي عادة يكون تأثيرها سلبي و أيها يكون تأثيرها إيجابي؟
سلبيات العادة:
حذر رجال الأخلاق مرارا من استبداد العادة بالسلوك و طغيانها لأن ذلك يؤدي إلى أخطار جسمية نذكر منها:
أنها تسبب الركود و تقضي على المبادرات الفردية و تستبد بالإرادة فيصير الفرد عبدا لها و خير مثال ما نراه عند بعض الناس من قناعات تعودوا عليها إذ من الصعب إقناعهم بغير ذلك. و هذا الركود يمس السلوك كما يمس الفكر.
تضعف الشعور و تقوي العفوية على حساب فاعلية الفكر فالجلاد الذي يتعود الجلد لا يأبه لتأوهات المجلود و الطبيب الجراح لا يثيره منظر الدماء لقد قال روسو في ذلك "إن المعاينة المستدعية لمشهد البؤس تقسي القلوب".
و قال الشاعر الفرنسي سولي برودم "الجميع الذين تستولي عليهم قوة العادة يصبحون بوجوههم بشرا و بحركاتهم آلات"
العادة تقتل الروح النقدية: إن العادة تقف في وجه المعرفة كعقبة ابستمولوجية، إن التاريخ يذكر أن كوبرنيك أحرق لأنه جاء بفكرة مخالفة لما تعوده الناس آنذاك من أن الأرض هي مركز الكون و غاليلي حوكم و هدد بالموت إن لم يتراجع عن فكرته من أن الأرض تدور.
للعادة خطر في المجال الاجتماعي: ذلك أنها تمنع كل تحرر من الأفكار و العادات البالية إنها تقف ضد كل تقدم اجتماعي و ما صراع الأجيال سوى مظهر لتأثير العادة في النفوس و العقول...إلخ.
إن هذه المساوئ حملت روسو على القول كما رأينا "خير عادة أن لا يكون للمرء عادة".
النقد: إن هذه السلبيات لا تعني إبطال العادة أو القضاء على قيمتها فالعادة التي وصفت بهذه السلبية هي العادات التي لا تقع تحت طائلة العقل و الفكر و الإرادة لأن هنالك عادات أثرها محمود في السلوك و من ذلك مثلا:
1/ أن العادة تحرر الانتباه و الفكر و نجعله مهيئا لتعلم أشياء جديدة و بذا تكون العادة دافعا للتطور.
2/ العادة توفر الوقت و الجهد فلولا العادة لكنا نبذل جهودا مضنية في اكتساب بعض السلوكات و تبقى تلك الجهود مستمرة كلما قمنا بنفس السلوك إن العامل في مصنعه و الحرفي في مهنته ينجز أعماله في أقل وقت ممكن و بأدنى جهد.
3/ العادة تؤدي إلى الدقة و الإتقان في العمل و نتبين ذلك بشكل جلي عند الضارب على آلات الراقنة أو في الصناعات التقليدية.
و مما سبق نستنتج أن العادة ليست مجرد سلوك تقتصر على تكرار حركات روتينية رتيبة داعا لأن العادة تقدم لنا ما لم تقدمه الطبيعة فهي تنوب مناب السلوك الغريزي و تجعل المرء أكثر استعدادا لمواجهة المواقف الجديدة و لذا قيل "لو لا العادة لكذا نقضي اليوم كاملا في القيام بأعمال تافهة".
النقد: هذا لا يعني أن نجعل العادة غاية بل هي مجرد وسيلة إن أحسنا استغلالها و استعمالها.
الخاتمة:
حتى نضع حدا للجدل القائم يجب التمييز بين نوعين من العادات عادات منفعلة و عادات فعالة عادات تأخذها و أخرى نأخذها إن العادة المنفعلة التي تأخذ الفرد هي تلك التي لا تخضع لسلطان العقل بقواه الفاحصة و بالتالي تكون نتيجتها سلبية أما العادات الفعالة التي نأخذها فهي تلك التي تخضع للمراقبة العقلية فتتحكم فيها الذاكرة و الإرادة و تنطلق مصحوبة بالتمييز و بدلا من ميلها نحو الثبات أو التكرار الآلي تميل إلى إنتاج بعض الأفعال بصورة سهلة إن العادة الفاعلة تمنح الجسم الرشاقة و السيولة أما العادة المنفعلة فإن ميزتها الصلابة.
لقد قال شوفاليي "إن العادة هي أداة الحياة أو الموت حسب استخدام الفكر لها".
إذ المسألة ليست مسألة عادة بقدر ما هي مسألة الشخص الذي يتبنى هذه العادة أو تلك.

الشعور واللاشعور


الشعور واللاشعور
مقدمة:
إذا كان من المؤكد إن الإنسان ككائن حي يشترك مع غيره من الكائنات الحية في مجمل الوظائف الحيوية، فإنه يبدو أن الإنسان يزيد عن غيره من هذه الكائنات بالوعي فينطبع سلوكه بطابع من المعقولية و الذي يصطلح على تسميته عادة بالشعور و الذي يمكننا من فهم ذواتنا و فهم ما يحيط بنا و تكفي المقارنة بين نائم و يقظ لنكتشف الفرق بينهما فاليقظ يعرف حالته النفسية بل و يستطيع صفها بينما يلاحظ العجز عند النائم كما يستطيع اليقظ أن يضبط أفعاله و يعطيها طابعا إراديا عكس النائم الذي يفتقد القدرة على ذلك، إن الفرق بين الاثنين كامن في الشعور و هذا يعني أنه يكتسب أهمية بالغة في حياتنا إذ يشكل الأساس لكل معرفة و من ثمة لا نستغرب كيف أن جميع الفلاسفة ينطلقون من مسلمة أن الإنسان كائن عاقل واع و بناء على .... تقدم نطرح الأسئلة التالية: ماذا يراد بالشعور؟ بماذا يتميز؟ هل يتصف دوما بالوضوح و القصدية أم يمكن أن يكون باهتا مختلطا؟ و الأهم هل الشعور و الوعي يطبع كل سلوكياتنا ليكون هو المقوم الوحيد لحياتنا النفسية أم أن الشعور لا يشمل كل الحياة النفسية بل بعضها مما يفتح المجال لفاعلية أخرى تؤثر في السلوك هي فاعلية اللاشعور؟
مفهوم الشعور:
أ- المفهوم العامي:
كثيرا نا تستعمل كلمة الشعور مرادفة للإحساس كأن يقال شعرت بالجوع أو أحسست بالجوع، كما تستعمل للتعبير عن الحالات النفسية الباطنية كالشعور بالفرح.
نقد: يعترض علماء النفس على المساواة بين الشعور و الإحساس ذلك أن الإحساس عملية بيولوجية يشتر فيه الإنسان و الحيوان بينما الشعور عملية نفسية قوامها الوعي و الإدراك و المعرفة و من ثمة فهو خاص بالإنسان وحده.
ب- المفهوم الاصطلاحي: تشير موسوعة لالاند الفلسفية أن الشعور يطلق على مجموعتين من العمليات، "الأولى الأكثر تداولا تكون الفكرة الرئيسية هي فكرة حالة عاطفية و في الثانية تكون فكرة المعرفة، لاسيما المعرفة المباشرة". و هذا يعني أن الشعور هو إدراك المرء لذاته، أفعاله و انفعالاته إدراكا مباشرا أو هو الاطلاع على ما يجري في النفس، أو هو الاطلاع المباشر على ما يجول في داخلنا من حالات شعورية.
خصائص الشعور: من المفاهيم السابقة نكتشف أن الشعور يتصف بالخصائص التالية:
1/ الشعور إنساني: أي أن الشعور ظاهرة إنسانية بل هو الذي يعطي للإنسان إنسانيته فالحيوان قد يحس بالألم و لكنه لا يشعر بالألم ولا يعيه.
2/ الشعور ذاتي: كل خبرة شعورية تعبير عن حالة الفرد ذاته إذ لكل فرد منا إدراكاته و انفعالاته و عواطفه.
3/ الشعور حدس: أي أنه معرفة مباشرة، دون اللجوء إلى وسائط فالفرح لا يحتاج إلى شهادة من أحد تثبت فرحه.
4/ الشعور تيار مستمر ومتصل و دائم و متغير: و هذا يعني أن الشعور النفسي تيار لا ينقطع لقد أشار برغسون إلى هذه الخاصية و وصف الشعور بأنه ديمومة متجددة كما يتصف بالتغير من حيث الموضوع أو من حيث الشدة.
5/ الشعور انتقاء و اصطفاء: إذا كانت ساحة الشعور ضيقة لا تستوعب كل الأحوال الشعورية دفعة واحدة فهذا يعني أن الإنسان ينتقي منها ما يهمه في الحياة اليومية.
6/ الشعور كل متشابك: و هذا معناه أن الحالة النفسية ظاهرة معقدة ترتبط بجملة من الشروط النفسية و العضوية و الاجتماعية.
الشعور و الحياة النفسية:
أ- النظرية التقيدية: اعتقد الكثير من الفلاسفة و من بعدهم علماء النفس أن الشعور قوام الحياة الإنسانية و لعل أوضح اتجاه فلسفي أكد هذه الحقيقة و بشكل قطعي هو الاتجاه العقلاني الذي أرسى دعائمه ديكارت من خلال الكوجيتو "أنا أفكر إذن أنا موجود" غير أن الفكرة أخذت عمقها مع علم النفس التقليدي و ننتقي للتعبير عنه برغسون مؤسس علم النفس الاستبطاني و معه وليام جيمس في بداية حياته هذا الأخير الذي كتب يقول "إن علم النفس هو وصف وتفسير للأحوال الشعورية من حيث هي كذلك" لقد ناضل علماء النفس التقليديون في البدء ضد النزعة المادية السلوكية التي أنكرت وجود النفس و رأت في الظواهر النفسية و الأحوال الشعورية مجرد صدى للنشاط الجسمي، غير أن فكرة الشعور كأساس للحوادث النفسية تعزز مع الظواهرية، إذا أعطى إدموند هوسرل بعدا جديدا للمبدأ الديكارتي "أنا أفكر إذن أنا موجود" و حوله إلى مبدأ جديد سماه الكوجيتاتوم و نصه "أنا أفكر في شيء ما، فذاتي المفكرة إذن موجودة". و معناه أن الشعور ل يقوم بذاته و إنما يتجه بطبعه نحو موضوعاته.
يلزم عن موقف كهذا أن ل حياة نفسية إلا ما قام على الشعور أي لا وجود لفاعلية أخرى تحكم السلوك سوى فاعلية الوعي و الشعور و من ثمة فعلم النفس التقليدي على حد تعبير هنري آي في كتابه الوعي "و قد قام علم النفس التقليدي على المعقولية التامة هذه و على التطابق المطلق بين الموضوع و العلم به و تضع دعواه الأساسية أن الشعور و الحياة النفسية مترادفان".
إذا أردنا أن نقرأ الحجة التي يركن إليها هؤلاء وجدناها منطقية في طابعها فإذا كان ما هو شعوري نفسي فما هو نفسي شعوري أيضا و ما هو خارج الشعور لا يمكنه إلا أن يكف عن الوجود إذ كيف السبيل إلى إثبات ما لا يقبل الشعور و يلزم عن ذلك أن الحياة الشعورية مساوية تماما للحياة النفسية و اعكس صحيح.
زيادة على حجة نفسية إذ الدليل على الطابع الواعي للسلوك هو شهادة الشعور ذاته كملاحظة داخلية.
النقد: إذا كان الاعتقاد بأن ما هو شعوري نفسي صحيحا فإن عكس القضية القائل كل ما هو نفسي شعوري غير صحيح من الناحية المنطقية إذ الأصح أن يقال بعض ما هو نفسي شعوري أما من الناحية الواقعية فالسؤال الذي يطرح هو كيف نفسر بعض السلوكات التي نؤتيها و لا ندري لها سببا.
ب- النظرية اللاشعورية: قبل الحديث عن النظرية اللاشعورية ينبغي أن نفرق بين المعنى العام للاشعور و بين المعنى الخاص أي بالمعنى السيكولوجي، فالأول يعني كل ما لا يخضع للوعي و للإحساسا كالدورة الدموية، أما المعنى الثاني فيقصد به مجموع الأحوال النفسية الباطنية التي تؤثر في السلوك دون وعي منا. غير أن الفكرة تتضح مع فرويد باعتباره رائدا للتحليل النفسي القائم على فكرة اللاشعور، إذ اللاشعور لديه هو ذلك الجانب الخفي من الميول و الرغبات التي تؤثر في السلوك بطريقة غير مباشرة و دون وعي.
فكرة اللاشعور من الطرح الفلسفي إلى الطرح العلمي: ظل الاعتقاد سائدا لمدة طويلة أن الحياة النفسية قائمة أساسا على الشعور و الوعي و لا مجال للحديث عن اللاشعور، غير أن ذلك لا يعني أن الفلسفة لم تطرح فكرة اللاشعور بل يلاحظ أن لايبنتز في اعتراضه على الفكرة الديكارتية القائلة أن النفس قادرة على تأمل كل أحوالها و من ثمة الشعور بها و يلخص هذه المعارضة في ثلاث نقاط هي:
1/ الإدراكات الصغيرة: هنالك إدراكات متناهية في الصغر لا حصر لها في النفس، تعجز النفس عن تأملها مثلها في ذلك مثل الموجة التي تحدث هديرا نسمعه و لكن لا نستطيع سماع صوت ذرات من ماء هذه الموجة رغم أنها مؤلفة لذلك الهدير.
2/ مبدأ التتابع: لا يوافق لايبنتز على أن النفس قادرة على تأمل كل أفكارها تبعا لمبدأ التتابع فالحاضر مثقل بالماضي و مشحون بالمستقبل و ليس بالإمكان أن نتأمل و بوضوح كل أفكارنا و إلا فالتفكير يأخذ في تأمل كل تأمل إلى ما لا نهاية دون الانتقال إلى فكرة جديدة.
3/ الأفعال الآلية : و هذه ينعدم فيها الشعور، إن تأثير العادة في السلوك يجعلنا لا نشعر به أو يجعله لا شعوريا، يقول لايبنتز: "إن العادة هي التي لا تجعلنا نأبه لجعجعة المطحنة أو لضجة الشلال".
النقد: إم محاولة لايبنتز الفلسفية لتأكيد إمكانية وجود اللاشعور لاقت معارضة شديدة لأن السؤال المطروح هو كيف يمكن أن نثبت بالوعي و الشعور ما لايقبل الوعي أو الشعور.
وضعية علم النفس قبيل التحليل النفسي: إن تقدم علم النفس و الاهتمام بالمرضى النفسيين أدى إلى نتائج هامة في علم النفس و منها المدرستين الشهيرتين في علم النفس.
1/ المدرسة العضوية: كان تفكير الأطباء في هذه المدرسة يتجه إلى اعتبار الاضطرابات النفسية و العقلية ناشئة عن اضطرابات تصيب المخ، و يمثل هذا الرأي الطبيب الألماني وليم جريسنجر (1818-1868م) لتنتشر بعد ذلك آراء جريسنجر و كانت تعالج الاضطرابات النفسية بالعقاقير و الأدوية و الراحة و الحمامات و التسلية...
2/ المدرسة النفسية: في مقابل المدرسة السابقة اعتقد بعض الأطباء ذوي النزعة النفسية أن الاضطرابات النفسية تعود إلى علل نفسية و من المؤسسين الأوائل لهذه المدرسة مسمر (1784-1815م) الذي اعتقد بوجود قوة مغناطيسية تحكم النفس و أن امرض ناتج عن اختلال في هذه القوة و من ثمة كان جهد الطبيب ينصب على إعادة التوازن لهذه القوة.
و من أشهر الأطباء الذي استخدموا التنويم في علاج الأمراض برنهايم (1837-1919م) و لقيت هذه النظرية رواجا و خاصة بعد انضمام شاركو إليها بعد ما رفضها مدة طويلة في هذه الأثناء كان فرويد يولي اهتماما إلى كيفية علاج الأمراض النفسية فسافر إلى فرنسا أين اشتغل بالتنويم ثم عدل عنه بعد حين.
اللاشعور مع فرويد: ما كان لفرويد أن يبدع النظرية اللاشعورية لو لا شعوره بعجز التفسير العضوي للاضطرابات النفسية وكذا عجز النظرية الروحية و يمكن تبين وجهة النظر اللاشعورية من خلال إجابتها على الأسئلة التالية:
إذا كان هنالك لا شعور ما الدليل على وجوده؟
كيف يمكن أن يتكون و يشتغل؟ و كيف يمكن النفاذ إليه؟
مظاهر اللاشعور: حرص فرويد على بيان المظاهر المختلفة التي يبدو و من خلالها البعد اللاشعوري للسلوك و التي تعطي المشروعية التامة لفرضية اللاشعور إذ يقول فرويد "إن فرضية اللاشعور فرضية لازمة و مشروعة و أن لنا أدلة كثيرة على وجود اللاشعور".
ومنها:
* الأفعال المغلوطة: التي نسميها عادة فلتات لسان و زلات قلم و التي تدل على أنها تترجم رغبات دفينة، لأن السؤال الذي يطرحه فرويد هو لماذا تظهر تلك الأفعال مع أن السياق لا يقتضيها، و لماذا تظهر تلك الأخطاء بالذات لا شك أن الأمر يتعلق بوجه آخر للحياة النفسية، لأن الوعي لا ينظر إليها إلا باعتبارها أخطاء، مع أن فهمها الحقيقي لا يكون إلا في مستوى لا شعوري "فأنت ترى الإنسان السليم، كالمريض على السواء يبدي من الأفعال النفسية ما ل يمكن تفسيره إلا بافتراض أفعال أخرى يضيق عنه الشعور".
* الاضطرابات النفسية أو العقد النفسية: مظهر آخر يدل على أن الحياة النفسية حياة لا شعورية فهي من وجهة نظر فرويد تعبير مرضي تسلكه الرغبة المكبوتة فيظهر أعراضا قسرية تظهر الاختلال الواضح في السلوك.
* أحلام النوم: اكتسب الحلم معنى جديدا عند فرويد، إذ أوحت له تجاربه أن الرغبة المكبوتة تتحين الفرص ااتعبير عن نفسها و أثناء النوم حينما تكون سلطة الرقيب ضعيفة تلبس الرغبة المكبوتة ثوبا جديدا وتطفو على السطح في شكل رموز على الحيل اللاشعورية كالإسقاط و التبرير...إلخ.
و حاصل التحليل أن فرويد يصل نتيجة حاسمة أن المظاهر السابقة تعبر عن ثغرات الوعي و هي تؤكد على وجود حياة نفسية ل شعورية.
و بتعبير فرويد تكون هذه المظاهر "حجة لا ترد" على وجود اللاشعور.
الجهاز النفسي: لكي نفهم آلية اشتغال اللاشعور و طريقة تكونه يضع فرويد أمامنا تصورا للحياة النفسية، إذ يفترض أن النفس مشدودة بثلاث قوى:
الهوى: الذي يمثل أقدم قسم من أقسام الجهاز النفسي و يحتوي على كل موروث طبيعي أي ما هو موجود بحكم الولادة، بمعنى أن الهوى يمثل حضور الطبيعة فينا بكل بدائيتها و حيوانتها الممثلة رأسا في الغرائز و أقوامها الجنسية و هذه محكومة بمبدأ اللذة و بالتالي فهي تسعى التي التحقق، إنها في حالة حركة و تأثير دائم.
الأنا: ونعني بها الذات الواعية و التي نشأت ونبتت في الأصل من الهوى و بفعل التنشئة امتلكت سلطة الإشراف على الحركة و السلوك و الفعل الإرادي و مهمتها حفظ الذات من خلال تخزينها للخبرات المتعلقة بها في الذاكرة و حفظ الذات يقتضي التكيف سواء بالهروب مما يضر بحفظ الذات أو بالنشاط بما يحقق نفس الغاية، و هي بهذا تصدر أحكاما فيما يتعلق بإشباع الحاجات كالتأجيل أو القمع.
الأنا الأعلى: و هي قوة في النفس تمثل حضور المجتمع بأوامره و نواهيه أو بلغة أخرى حضور الثقافة، فقد لاحظ فرويد أن مدة الطفولة الطويلة تجعل الطفل يعتمد على والديه الذين يزرعان فيه قيم المجتمع ونظامه الثقافي لأن هذا ما يقتضيه الواقع، فيمارس الأنا الأعلى ضغطا على الأنا. التي تكون مطالبة في الأخير بالسعي إلى تحقيق قدر من التوفيق بين مطالب الهوى و أوامر و نواهي المجتمع فيلزم على ذلك صد الرغبات و ينتج عن هذا الصد ما يسمى بالكبت، الذي يختلف عن الكبح في كون الأول لا شعوري و الثاني شعوري و كبت الرغبة لا يعني موتها بل عودتها إلى الظهور في شكل جديد تمثله المظاهر السابقة.
التحليل النفسي: لم تتوقف جهود فرويد على القول بحياة نفسية لا شعورية بل اجتهد في ابتكار طريقة تساعد على النفاذ إلى المحتوى اللاشعوري لمعرفته من جهة و لتحقيق التطهير النفسي من جهة أخرى و يقوم التحليل النفسي على مبدأ التداعي الحر للذكريات و القصد منه مساعدة المريض على العودة بذاكرته إلى مراحل الطفولة الأولى و الشكل المرضي و الشاذ و المنحرف للرغبة و استعان فرويد في وقت لاحق بتحليل رموز الأحلام وكان ذلك في الأصل بطلب من إحدى مريضاته زيادة إلى البحث في النسيان شأن أستاذ الأدب الجامعية التي كانت تنسى باستمرار اسم أديب مشهور فكان أن اكتشف فرويد أن اسم الأديب هو نفس الاسم
لشخص كانت له معها تجربة مؤلمة.
و باختصار يمكن تلخيص مراحل العلاج في: أولا اكتشاف المضمون اللاشعوري للمريض ثانيا حمله على تذكر الأسباب و التغلب على العوائق التي تمنع خروج الذكريات من اللاشعور إلى الشعور.
لكن ينبغي أن نفهم أن فرويد لم يجعل من التحليل النفسي مجرد طريقة للعلاج بل أصبح منهجا لمعرفة و فهم السلوك ثم أصبح منهجا تعدى حدود علم النفس إلى الفلسفة.
قيمة النظرية اللاشعورية:
حققت النظرية اللاشعورية نجاحات مهمة و عدت فتحا جديدا في ميدان العلوم الإنسانية، فمن الناحية العرفية أعطت النظرية فهما جديدا للسلوك يتم بالعمق إذ لم تعد أسباب الظواهر هي ما يبدو بل أصبحت أسبابها هي ما يختفي و هذا ما أوحى للبنيوية لا حقا لتعطي ميزة للبنية من أنها لا شعورية متخفية ينبغي كشفها. أما من الناحية العملية فالنظرية اللاشعورية انتهت إلى منهج ساهم في علاج الاضطرابات النفسية. و مع ذلك كانت للمبالغة في القول باللاشعور انتقادات لاذعة يمكن إجمالها في اثنين: أولا: معرفيا ترتب على اللجوء البسيط إلى اللاشعور نقل ثقل الحياة النفسية من مجال واع إلى مجال مبهم غامض و هذه ملاحظة المحلل النفساني جوزاف نتان، كما ترتب على ذلك التقليل من شأن الشعور أو الوعي و هي خاصية إنسانية و هو ما ترفضه الوجودية و الظواهرية معا فكارل ياسبرس يرفض أن يكون اللاشعور أساس الوجود لأنه ببساطة وجد لدراسة السلوك الشاذ أو المرضي و لا مبرر لتعميمه، فالوجود أوسع من أن يستوعبه اللاشعور و هو نفس الرفض الذي نجده عند سارتر الذي لا يراه سوى خداعا و تضليلا إذ يتعارض مع الحرية، إن ربط اللاشعور بدوافع غريزية (الغريزة الجنسية) آثار حفيظة الأخلاقيين و الإنسانيين إذ كيف تفسر مظاهر الإبداع و الثقافة الإنسانية بردها إلى ما دونها و هي الغريزة الجنسية.
ثانيا عمليا و تطبيقيا: لم يحقق التحليل النفسي ما كان مرجوا منه إذ يعترف فرويد بصعوبة إثارة الذكريات الكامنة و هو ما دفع بعض امحللين إلى توسيع دائرة التحليل باعتماد طريق جديد مثل إكمال الصورة المنقوصة أو إكمال حوار أو قصة ناقصة. أو التعليق على بقعة الحبر...إلخ.
خاتمة:
مهما تكن الانتقادات الموجهة إلى التحليل النفسي فإن علم النفس اليوم يسلم بأن حياتنا النفسية يتقاسمها تفسيرات كثيرة منها النفسية شعورية و لا شعورية و منها العضوية السلوكية و منها الاجتماعية الثقافية.

الذاكرة


الذاكرة
للذاكرة تعريفات عديدة ومختلفة منها ما يركز على الطبيعة العامة للذاكرة وعلى بعض مراحل عملها كما في تعريف (سوكولوف) للذاكرة من وجهة نظرية المعلومات (هي الاحتفاظ بمعلومات عن إشارة بعد أن يكون تأثير هذه الإشارة قد توقف) ومنها ما يهتم بخصوصية الذاكرة البشرية في مستوياتها الراقية كما جاء في تعريف (بتقليد) (هي ذاكرة المفاهيم والتعميمات والكلمات) ومنها ما يشير إلى الذاكرة من حيث قدرتها على الاحتفاظ بالآثار لفترة زمنية ما قد تكون هذه الفترة شديدة القصر وقد تطول قليلاً ثم قد تمتد لدقائق وساعات وأيام وسنوات وربما مدى الحياة.
الذاكرة هي: (الذاكرة القصيرة الأمد، والذاكرة العملياتية، والذاكرة الطويلة الأمد) ومنها ما يركز على عمليات الذاكرة كما في تعريف (سمير نوف) تكمن الذاكرة في (التذكر والاحتفاظ) وفي التعرف والاسترجاع اللاحقين لما كان قد مر بخبرتنا السابقة) ونظراً لأن النسيان قد يصيب بعض أجزاء الخبرة أو كلها وفي أية مرحلة من مراحل عمل الذاكرة فإنه يمثل برأينا عملية خاصة لكنها تؤدي وظائف مغايرة للعمليات الأخرى فهي تارة تعرقلها وتعطلها وتارة تسهل وتيسر لها فرصاً أفضل للعمل وهكذا... وعمليات الذاكرة مؤلفة من: أ. التذكر، ب. الاحتفاظ، ج. التعرف، د. الاسترجاع، هـ. النسيان.
التذكر عملية التذكر هي سلسلة الجهود الهادفة وجملة المعالجات التي يقوم بها الشخص المتذكر منذ لحظة انتهاء مهمة الإدراك وربما قبل ذلك بقصد إعداد موضوع ما لإدخاله بصورة تدريجية إلى الذاكرة الطويلة الأمد والاحتفاظ به من أجل استرجاعه المقبل عن طريق ترميزه بواسطة منظومات رمزية مختلفة ومتعددة المعايير.
ويعد التجميع والتوحيد للانطباعات والآثار في صور مركبة سواء في مرحلة الإدراك أو في مرحلة التسجيل مجرد طور ابتدائي من عملية التذكر. لكن سرعان ما تتحول أو تترجم هذه الصور والمركبات إلى رموز ليتم إدخالها أو إدراجها في منظومة من العلاقات المتعددة المعايير. وبهذا الترميز(1) يتحقق الانتقال من الذاكرة المؤقتة والقصيرة الأمد إلى الذاكرة الدائمة أو شبه الدائمة والطويلة الأمد.
وهكذا يعد الترميز من أهم الخصائص التي تميز الذاكرة البشرية الكلامية المنطقية القائمة على التصنيف والتعميم والتجريد... ويتضح دور الترميز بصورة خاصة عند دراسة تذكر المقاطع أو الكمالات التي لا معنى لها حيث تخفق الجهود غالباً في إيجاد لغة رمزية تترجم إليها مما يؤدي إلى صعوبة إدخالها إلى مستودع الذاكرة وفي حال تذكرها فإن بقاءها هناك يكون لفترة قصيرة وسرعان ما تتعرض للنسيان والتلاشي الكامل لآثارها.
إن معرفتنا للعالم الخارجي أو البيئة المحيطة بنا ليست معرفة مباشرة وإنما معرفة رمزية غير مباشرة. فالمثيرات وشتى أنواع المؤثرات التي نتلقاها ولا نستطيع ترميزها لا يمكن أن تشكل جزءاً من خبرتنا لأنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل إدخالها أو تذكرها أحيانا بسبب عجزنا عن معالجتها ونقلها إلى لغة رمزية أو إلى مدرجات أو مستويات رمزية مطردة التجريد والتعميم.
وعملية الترميز التي تؤلف المضمون الأساسي لعملية التذكر قد تجري بصورة لاإرادية وقد تتحقق بطريقة مقصودة وبنية وعزم على بلوغ غرض التذكر. وبهذا الصدد نجد من المناسب التعرض للتذكر اللاإرادي والإرادي والعلاقة بينهما.
أ. التذكر اللاإرادي : هو تذكر موضوع أو موضوعات ما دون أن تكون هدفاً مباشراً للنشاط أو السلوك ويتم التوصل إلى هذا النوع من التذكر من خلال ارتباط موضوعه بموضوعات النشاط الإرادي المقصود.
حيث لا يكون المقصود من النشاط الإرادي الواعي المنظم بلوغ أغراض تذكرية وإنما يكون الهدف عندئذ تحقيق أغراض عملية ومعرفية، ولهذا يعد التذكر اللاإرادي أحد نتاجات النشاط الهادف، ويشغل حيزاً كبيراً وهاماً في حياة الإنسان ويكون الشكل الرئيسي والوحيد للتذكر في مراحل الطفولة الأولى لكنه يتراجع مع النمو ليفسح المجال للتذكر الإرادي في المراحل النمائية اللاحقة مع أنه يظل ذا أهمية بالغة في مختلف المراحل العمرية.
ب-التذكر الإرادي : هو نتاج الأفعال التذكرية الخاصة أي ثمرة لتلك الأفعال التي يكمن هدفها الأساسي في التذكر وفي هذا تأكيد على أن الشرط الأهم في التذكر الإرادي يعود إلى التحديد الدقيق لمسألة التذكر فقد كشفت دراسات عديدة (سمير نوف 1966، لاودس 1972) عن أن اختلاف الأهداف التذكرية يؤثر في جريان عملية التذكر نفسها وفي انتقاء الأساليب المستخدمة وفي النتائج التي يتم التوصل إليها.
وإن استخدام أساليب عقلانية في التذكر الإرادي هو أحد الشروط الهامة التي تضمن مردودية عالية له.
ومن بين الأساليب العقلانية المنطقية ذات الأهمية الخاصة في التذكر الإرادي نشير إلى أسلوب وضع مخطط للمادة التي يجب أن تحفظ وتختزن. ويشتمل المخطط التذكير بصورة عامة على خطوات ثلاث هي:
تجزئة المادة إلى العناصر والأجزاء التي يتألف منها.
إعطاء عنوان لكل جزء أو تمييز نقاط استناد فيه بحيث تؤلف رموزاً لمضمونه.
جمع وتوحيد الأجزاء انطلاقاً من العناوين أو نقاط الارتكاز.
لقد ساعدت الدراسات والبحوث في مجال سيكولوجية الذاكرة وبخاصة فيما يتعلق بعلاقة الذاكرة بالعمليات المعرفية الأخرى ولا سيما التفكير على إثبات حقيقة وجود علاقة وثيقة بين الذاكرة والتفكير تمثلت في قول أحدهم (نقصد بالتذكر) التفكير بأمر ما كان في خبراتنا السابقة لكننا لم نفكر فيه قبل هذه اللحظة بعبارة أخرى بعد التفكير وسيلة أو أداة للتذكر أي أن عملية التذكر تتشكل وتتكون على قاعدة عمليات التفكير وبالتالي تتأخر عنها مرحلة واحدة، أما الفعل التذكري فيشتمل على مجموعة أطوار أو عمليات هي:
التوجيه في المادة ككل أو الفهم العام لها.
تقسيم المادة إلى مجموعات من العناصر.
تحديد العلاقات بين العناصر في داخل كل مجموعة.

هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟


نص السؤال : هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟
الإحساس : ظاهرة نفسية متولدة عن تأثر إحدى الحواس بمؤثر ما , وبذلك فهو أداة اتصال بالعالم الخارجي ووسيلة من وسائل المعرفة عند الإنسان بينما الإدراك هو عملية عقلية معقدة نتعرف بها على العالم الخارجي بواسطة الحواس ومن خلال تعريفها تظهر العلاقة القائمة بينهما والتقارب الكبير الذي يجمعهما مما أثار إشكالا لدى الفلاسفة وخاصة علماء النفس حول الذي يجمعهما مما أثار إشكالا لدى الفلاسفة وخاصة علماء النفس حول إمكانية الفصل بينهما أو عدمه, بمعنى إن شعور الشخص بالمؤثر الخارجي و الرد على هذا المؤثر بصورة موافقة هل نعتبره إحساس أم إدراك أم أنهما مع يشكلان ظاهرة واحدة ؟
إمكان الفصل بين الإحساس والإدراك :
يؤكد علم النفس التقليدي على ضرورة الفصل بين الإحساس و الإدراك و يعتبر الإدراك ظاهرة مستقلة عن الإحساس انطلاقا من أن الإحساس ظاهرة مرتبطة بالجسم فهو حادثة فيزيولوجية ومعرفة بسيطة , أما الإدراك فهو مرتبط بالعقل . أي عملية عقلية معقدة تستند إلى عوامل كالتذكر والتخيل و الذكاء وموجه إلى موضوع معين . فيكون الإحساس معرفة أولية لم يبلغ بعد درجة المعرفة بينما الإدراك معرفة تتم في إطار الزمان والمكان . حيث يقول " ديكارت " : " أنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب أني أراه بعيني " . ويقول " مين دوبيران Maine de Biran : " الإدراك يزيد على الإحساس بأن آلة الحس فيه تكون أشد فعلا والنفس أكثر انتباه ... " .
وكما يختلف الإدراك عن الإحساس فكذلك يختلف عن العاطفة لأن الإدراك في نظرهم حالة عقلية والعاطفة حالة وجدانية انفعالية .
لكن إمكانية الفصل بين الإحساس و الإدراك بشكل مطلق أمر غير ممكن باعتبار أن الإدراك يعتمد على الحواس . حيث قال التهانوي : " الإحساس قسم من الإدراك " وقال الجرجاني : " الإحساس إدراك الشيء بإحدى الحواس " .
استحالة الفصل بين الإحساس والإدراك :
يؤكد علم النفس الحديث على عدم إمكانية الفصل بين الإحساس والإدراك كما أن الفلسفة الحديثة تنظر إلى الإدراك على أنه شعور بالإحساس أو جملة من الاحساسات التي تنقلها إليه حواسه , فلا يصبح عندها الإحساس و الإدراك ظاهرتين مختلفتين وإنما هما وجهان لظاهرة واحدة , ومن الفلاسفة الذين يطلقون لفظ الإحساس على هذه الظاهرة بوجهيها الانفعالي والعقلي معا " ريد Reid  " حيث يقول : " الإدراك هو الإحساس المصحوب بالانتباه " .
بينما يبني الجشطالط موقفهم في الإدراك على أساس الشكل أو الصورة الكلية التي ينتظم فيها الموضوع الخارجي , فالجزء لا يكتسب معناه إلا داخل الكل . فتكون الصيغة الكلية عند الجشطالط هي أساس الإدراك . فالإدراك يعود إلى العوامل الموضوعية . فالصيغ الخارجية هي التي تفرض قوانينها علينا و تؤثر على إدراكنا , وبذلك فهي تحد من قدراتنا العقلية . وعليه فالإدراك ليس مجموعة من الاحساسات و إنما الشكل العام للصورة هو الذي يحدد معنى الإدراك . فالثوب المخطط عموديا قد يزيد من أناقة الفتاة , وذات الثوب بخطوط أفقية قد يحولها إلى شبه برميل .
لكن رد الإدراك بشكل كلي إلى الشكل الخارجي أمر لا تؤكده الحالة النفسية للإنسان فهو يشعر بأسبقية الإحساس الذي تعيشه الذات كما أن رد الإدراك إلى عوامل موضوعية وحدها , فيه إقصاء للعقل ولكل العوامل الذاتية التي تستجيب للمؤثر . وإلا كيف تحدث عملية الإدراك ؟ ومن يدرك ؟
الإدراك ينطلق من الإحساس ويتجه نحو الموضوع :
إن الإدراك عملية نشيطة يعيشها الإنسان فتمكنه من الاتصال بالموضوع الخارجي أو الداخلي , وهو عملية مصحوبة بالوعي فتمكنه من التعرف على الأشياء . والإدراك يشترط لوجوده عمليات شعورية بسيطة ينطلق منها . و هو الإحساس , بكل حالاته الانفعالية التي تعيشها الذات المدركة , ووجود الموضوع الخارجي الذي تتوجه إليه الذات المدركة بكل قواها وهو ما يعرف بالموضوع المدرك .
إن الاختلاف بين علم النفس التقليدي الذي يميز بين الإحساس و الإدراك , وعلم النفس الحديث الذي لا يميز بينهما باعتبار أن العوامل الموضوعية هي الأساس في الإدراك يبقى قائما . غير أن التجربة الفردية تثبت أن الإنسان في اتصاله بالعالم الخارجي وفي معرفته له ينطلق من الإحساس بالأشياء ثم مرحلة التفسير والتأويل فالإحساس مميز عن الإدراك ليسبقه منطقيا إن لم يكن زمنيا .

الانفعالات

الانفعالات 
مقدمة :

إذا كان الشعور وعيا و معرفة مباشرة فإن الشعور من ثمة يتضمن موضوعا يقع عليه و ذاتا شاعرة و يتجلى ذلك بشكل قوي في الشعور التأملي، فقد نشعر بالارتياح تجاه بعض الوقائع و الأشياء كما نشعر بالانزعاج و عدم الارتياح تجاه موضوعات أخرى و قد يرتبط ذلك إما بإدراكنا لهذه الموضوعات أو بالتجارب التي مرت بنا و أيّا كان الارتباط فإن الشعور بعدم الارتياح مؤلم في حين أن الشعور بالارتياح شعور لذيذ و الحقيقة أن اللذة و الألم هما مبدأ و قوام الحياة الانفعالية أي أن الفرد مهما كانت انفعالاته فهي إما لذة أو ألما. و لعل السؤال المباشر لهذا الطرح هو ماذا نعني أصلا بالانفعال و ما هي درجاته و أشكاله؟
مفهوم الانفعال :
أ- المعنى العام: الانفعال هن إحدى مقولات أرسطو العشر و تعني ما يحدث للشيء من تغير نتيجة تأثير شيء آخر و بهذا يكون الانفعال حالة تغير و كما يقول الغزالي "الانفعال هو نسبة الجوهر المتغير إلى جوهر الغير فإن كل منفعل فعن فاعل وكل متسخن و متبرد فعن مسخن و مبرد".
ب- المعنى الخاص: يقول جميل صليبا "إن الاختلاف في معاني الانفعال يدعونا إلى تحديد مدلوله في اصطلاحنا، فهو يدل عندنا على جميع الكيفيات الشعورية المتولد من النزعات كاللذات و الآلام و الهيجانات، و نحن نسمي هذه الكيفيات بالأحوال الانفعالية أو الوجدانية.
و يمكن أن نستنتج أن الانفعال حالة تغير تعتري سلوك الفرد و تكون مصحوبة بإثارة وجدانية معينة و نزوع نحو سلوك معين.
شروط الانفعال :
حتى يتم الانفعال لا بد من توفر ثلاث شروط أساسية هي:
1- المنبه :
و نعني بذلك المثير الذي يمكن أن يكون خارجيا كرؤيتي لسيارة تقترب مني و قد يكون داخليا كتذكري لحالة سارة أو توقعي النجاح.
ملاحظة: يختلف المنبه و تأثيره من شخص لآخر حسب البيئة الجغرافية و الاجتماعية للفرد.
2- الكائن الحي :
و نعني بذلك حالة الشخص الجسمية من حيث الصحة و المرض و حالته النفسية إضافة إلى الخبرة السابقة و مدى استعداد الفرد للانفعال و كذا قابلية الفرد للانفعال.
3- الاستجابة : 
و نعني بذلك الإثارة التي تحدث كرد فعل على المثير و للاستجابة مظهرين جسمي و شعوري.
المظهر الجسمي:
و يتمثل في جملة التغيرات السطحية كحالة التقزز تعبيرا على النفور إضافة إلى ذلك التغيرات الجسمية الحشرية التي تصاحب الانفعال و تبدو جلية و واضحة إذا كان الانفعال قويا.
المظهر الشعوري : 
و يتمثل في الحالة الباطنية الشعورية التي تصاحب الانفعال كحالة الضيق التي يشعر بها الغاضب.
مبدأ و أشكال الانفعال:
تتعدد أشكال الانفعال تبعا لدرجاته فهنالك الانفعالات البسيطة مثل اللذة و الألم وهنالك المركبة كالعواطف و الأهواء و قد تكون قوية جامحة كالهيجان.
مبدأ الحياة الانفعالية:
1- اللذة و الألم:
يقول جميل صليبا في معجمه "اللذة مقابل للألم و هما بديهيان أي من الكيفيات النفسانية الأولية، فلا يعرفان، بل تذكر خواصهما و شروطهما و أسبابهما دفعا للالتباس اللفظي".
و يدلنا هذا التقديم على صعوبة تعريف اللذة و الألم، و يقتصر البعض على ذكر أن اللذة هي "إدراك الملائم أنه ملائم كطعم الحلاوة عند حاسة الذوق و النور عند التبصر" الجرجاني أما ابن سينا فيرى إن اللذة هي إدراك و نيل لوصول ما هو عند المدرك كمال و خير من حيث هو كذلك و يكون الألم مقابلا لذلك أي أن الألم هو إدراك المنافي أو كما يوصف بأنه الفعل المضاد لطبيعة الكائن الحي في مقابل اللذة التي تعد كيفية تتفق وطبيعة الكائن الحي.
و لكن هذا التقابل لا يعبر عن تضاد مطلق بين اللذة و الألم لعدم وجود لذة خالصة أو ألم مطلق خالص بل يمكن أن يكونا متعاقبين...الخ.
و لكن يجب الإشارة إلى أن اللذة و الألم يمكن أن يكون جسميان ناتجان عن إثارة حسية كلذة الحلاوة في التفاح عند أكله أو كألم الحرق عند لمس النار. و يمكن أن يكونا نفسيان كلذة النجاح أو ألم الرسوب.
نتيجة: نستخلص أخيرا أن اللذة و الألم مبدآن للحياة الانفعالية إذ يمكن أن ترد إليهما جميع الحالات الانفعالية و لكن ليس العكس.
أشكال الانفعال:
العواطف و الأهواء :

العاطفة لغة تعني الشفقة و الرأفة و جمعها عواطف. أما اصطلاحا فمنهم من يطلقها على الانفعالات الناشئة عن أسباب معنوية لا عن أسباب عضوية.
و منهم من يطلقها على اللذات ة آلام و غريزة حفظ البقاء و المشاركة الوجدانية و الحب و الكبرياء و التواضع...الخ.
و منهم من يطلقها على الميول الغيرية دون الميول الأنانية و النفعية و يمكن التعريف الأوضح للعاطفة يبدو في قول الدكتور حلمي المليجي "العاطفة نظام يتألف من عدة ميول وجدانية مركزة حول شيء معين (شخص، جماعة، فكرة مجردة) تكيف الشخص لاتخاذ اتجاه معين في شعوره و تأملاته و سلوكه الخارجي".
نستنتج من التعاريف السابقة أن:
1* العاطفة تجمع بين الفطرة و الاكتئاب فهي تنبت من استعدادات الفرد و تتأثر بالعوامل الاجتماعية فتنمو و تقوى تحت تأثير التفكير و التأمل و التجارب الانفعالية.
2* العاطفة انفعال كونها تكون مصحوبة بإثارة وجدانية معينة و تطيع السلوك بطابع خاص.
3* العاطفة تعد مركبة قياسا للذة و الألم، فعاطفة الأمومة موضوعها الوليد الذي يثير في أمه مجموعة من الإثارات الوجدانية مثل (الإعجاب و التملك، البهجة، الحنان،...الخ) و يتألف نتيجة لذلك شعور خاص يدفع الأم إلى اتجاه معين في سلوكها و تأملاتها.
في حين أن عاطفة الكراهية مزيج من مشاعر مختلفة كالاشمئزاز و النفور و الاحتقار و النكد و الحقد.
الهوى : 
في اللغة الميل و العشق وميل النفس إلى الشهوة فيقال فلان يتبع هواه أريد ذمه .
أما في الاصطلاح فالهوى ميل النفس الشديد إلى ما تحب و تشتهي محمودا كان أو مذموما و هو مصحوب بحالات انفعالية و صور عقلية مختلفة.
فالعشق مثلا الهوى لأنه ميل شديد يستولي على النفس، و يمنعها من الاهتمام بغير المعشوق.
و يبدو مما سبق أنه الهوى انفعال قريب من العاطفة و لكنه أقوى منها علاوة على أخذه اتجاها معينا و استقطابه لموضوع محدد.
الهيجان : انفعال حاد وعنيف و قوي يعم الجسم و النفس معا فيؤدي إلى اختلال في السلوك بصفة عامة.
مظاهر الهيجان: مظاهر التعبير الهيجاني كثيرة يمكن إجمالها فيما يلي:
1- تغيرات جسمية ظاهرية ففي حالة الغضب نلاحظ تقطيب الحاجبين- جحوظ العينين - احمرار الوجه - ضغط الأسنان - أو عض اللسان - شد اليدين و قبضها - التعرق...الخ.
2- تغيرات جسمية باطنية:
- اختلال في الجهاز الدوري و زيادة نبضات القلب.
- اختلال في الجهاز التنفسي- سرعة التنفس.
- اختلال في الإفرازات الغددية كزيادة الأدرينالين في الدم. توقف الإفراز الغدد اللعابية، توقف الإفراز و الغددية الهضمية و هذا ما يؤدي إلى اختلال في الجهاز الهضمي....
- اختلال في الجهاز العصبي ( التخطيط الكهربائي للدماغ من إلى 3 تغيرات نفسية:
- اضطراب الشعور.
- تفكك الضبط الإرادي.
- يسفل باللغة فتفك الرابط في المعنى...الخ.
طبيعة الهيجان:
إذا كان الهيجان انفعال حاد و عنيف يصيب الفرد و يعم النفس و الجد فيؤدي إلى اضطرابات شتى على المستوى النفسي و الجسدي إلا أن الجدل قائم حول أهمية الشعور السيكولوجي في الهيجان و أثر التغيرات الفقزيولوجية فيه بمعنى هل الهيجان يحدث نتيجة لتصورات عقلية تؤدي إلى الشعور بالحالة ثم تعقبها التغيرات الفزيولوجية أم العكس أي هل التغيرات الفزيولوجية هي التي تؤدي إلى الشعور بالهيجان.
النظرية النفسية أو العقلية: يعتقد الكثير من الفلاسفة و علماء النفس أن كل هيجان يبدأ أولا بإدراك و تصور المنبه، فإذا أدركنا الخطر استجبنا بالهروب و إلا فلا نهرب فراكب الطائرة المحلقة في الأجواء إذا أدرك بأن خللا طرأ على الطائرة فإنه سيرتجف خوفا أو يغمى عليه فالخوف أصبح هيجانا و ما يرافقه من تغيرات نتيجة طبيعية لإدراك الخطر الذي سينجم من جراء الخلل الذي أصاب الطائرة. و من أنصار هذه النظرية هربارت و ناهلوفسكي إذ يقول الأول "إن الانفعالات اللذيذة تنشأ عن اتفاق و انسجام التصورات بعضها مع بعض، أما الانفعالات المؤلمة فتنشأ عن عدم انتظامها و عدم اتفاقها".
والحجة:
التي يركز إليها هؤلاء تستند إلى أساس فلسفي مفاده أن الجسم آلة و النفس هي مصدر كل أفعالنا، و بالتالي فجميع الأفعال الهيجانية تابعة للنفس و تابعة للتصورات العقلية.
النقد: 
رغم أهمية التصورات العقلية في حدوث الهيجان إلا أن اتخاذ التصورات العقلية سببا لحدوث الهيجان و التغيرات مجرد نتيجة له أمر غير مقبول للأسباب التالية:
1- أن الهيجان بمعزل عن التغيرات الجسدية ل يغدو هيجانا و إنما يصبح مجرد حالة انفعالية هادئة فنحن لا نعرف الهيجان إلا من خلال التغيرات الجسدية.
2- إن الشعور لا يسبق دائما التغيرات فقد يفاجئني أحد الأصدقاء بصب الماء البارد على جسدي فينتفض جسدي و تتعلق أنفاسي بعد شهقة طويلة ثم أدرك بعد ذلك أسباب ما حدث لي.
3- قد تسيطر علينا حالات هيجانية نتيجة لاضطرابات عضوية بحتة.
لهذه الأسباب يغدو من المجازفة التسليم بأن الهيجان يحدث دائما نتيجة لتصورات عقلية.
النظرية الجسمية: 
إن تقدم الدراسات البيولوجية أفضى إلى محاولة الكشف عن أبعاد التأثير الجسمي فيما هو سيكولوجي، لقد اعتقد الكثير من علماء النفس ممن تأثر بالنزعة البيولوجية أن الحالات الهيجانية هي نتيجة للتغيرات الجسمية الحشوية أو بصورة أخرى أن التغيرات الجسدية هي الانفعال ذاته و من القائلين بهذه النظرية وليم جيمس الذي يقول "إن الذوق العام يرى أننا نضيع ثروتنا فنحزن و نبكي، نقابل ذئبا فنخاف و نهرب، و يهيننا خصمنا فنغضب و نضرب و الأصح أن نقول "إننا نحزن لأننا نبكي- نغضب لأننا نضرب و نخاف لأننا نرتجف و ليس العكس".
فما نستنتج من هذا القول أن الهيجان ليس مجرد حالة نفسية إنه التغيرات الجسمية.
و يمكن تلخيص حجج أصحاب النزعة الفزيولوجية فيما يلي:
1- إذا أزيلت التغيرات من الهيجان أصبح مجرد حالة باردة.
2- دلت التجارب على أن اشرط الضروري و الكافي لحدوث الهيجان هو التغيرات الجسدية فاصطناع الغضب يؤدي إلى الشعور بالغضب.
3- بعض الانقباضات الحشوية تؤدي إلى الهيجان.
النقد: إذا كان صحيح أن التغيرات الجسمية سبب ضروري للهيجان فالقول بأنها كافية مشكوك في صحته و من الانتقادات التي توجه لهذه النظرية.
1- حدوث التغيرات لا يؤدي إلى الهيجان مثلا حقق شخص بمادة الأدرينالين يحدث لديه التغيرات الجسدية التي نلاحظها عند الغاضب دون الشعور بالغضب.
2- القول بالتغيرات الجسدية لا يكشف عن الاختلاف النوعي للحالات الهيجانية فالفرح
والغضب قد يشتركان في بعض المظاهر و رغم ذلك فالفرح يخالف تماما للغضب.
خاضع لسيطرة الجملة العصبية إن للهيجان آثار خطيرة على الجسم إذ قد تؤدي إلى أمراض خطيرة و مزمنة بل و مميتة، فهنالك ارتباط قوي بين الهيجان ومرض اسكري و كذا قرحة المعدة بل قد يؤدي إلى السكتة القلبية. و الأمراض العصبية فالمصابون بأمراض السكر، و القرحة و القلب هم أناس يتعرضون للانفعالات بكثرة في حياتهم و كثيرا ما ينصحهم الأطباء بالابتعاد عن مواطن الانفعال الحاد.
أما من الناحية النفسية فالأمر أكثر وضوحا إذ يلاحظ على المهتاج ضعف كبير في القدرة على التركيز و مراقبة الإرادة، و ضبط النفس فيختل السلوك و تتزعزع مظاهر الأخلاق في السلوك و تحل محلها الدوافع الهيجانية الغليظة و الحيوانية.
لقد قال بيار جاني "إن الهيجان اضطراب في السلوك و تعبير عن الفشل و اختلال في توازن الفرد مع محيطه. فهو يعود بالفرد إلى الحركات الآلية الفطرية و المكتسبة و يعيده إلى الاندفاع الحيواني بحيث ل يعرف سوى الضرب و اشتم و الصراخ".
النقد: إذا كان صحيح أن الانفعال الهيجاني يؤثر سلبا على سلوك الفرد و يضعه في موضع لا حضاري فإن من العلماء و المفكرين من رآه تعبير ضروري عن المواقف التي تفترض هذا الانفعال الهيجاني، لأنه ليس من الطبيعي أن يواجه الإنسان الإهانة بالابتسام.
الهيجان سلوك إيجابي :
يعتقد الكثير من العلماء أن للهيجان آثار إيجابية على المستوى الجسمي و انفسي:
فعلى المستوى الجسمي: يهيئ الجسم للموقف المثير فالخوف يجعل الفرد على استعداد للهروب من الخطر و الغضب يهيئ الجسم للمواجهة و لذا يقول دارون أن الهيجان لا يهيئ الكائن الحي لوضع داخلي أكثر ملائمة بل وسيلة للتلاؤم مع الظروف الموضوعية المفاجئة.
كما يعمل الهيجان على تنشيط الجسم و إمداده بطاقة ما كانت لتكون لو لا الانفعال الهيجاني.
التركيب: إذا كانت النظرية العقلية قد بالغت في التركيز على التصورات العقلية مهملة التغيرات الفزيولوجية أو أثرها في الهيجان و على العكس من ذلك كانت النظرية الفزيولوجية تسهى إلى اعتبار الهيجان عملية فزيولوجية محضة و كان إنكارها للجانب النفسي مبالغ فيه مما يجعلنا نعتقد أن الهيجان هو استجابة الفرد بكليته وكوحدة واحدة لا تقبل التجزئة، و لعله من الإنصاف أن نقول لا هيجان بدون جسد و لا هيجان بدون نفس أو تصورات عقلية لقد قال أرسطو قديما "بأن الانفعال ليس في الجسم و لا في النفس بل في الإنسان". إن الهيجان كأي حادثة نفسية أخرى، لا ترجع إلى عنصر بسيط و لا إلى جماعة عناصر مضاف بعضها إلى بعض بل الهيجان سلوك يعم كل الإنسان.
أثر الهيجان في السلوك :
إذا كان الهيجان سلوك يعم كل الإنسان نفسا و جسما و إذا كان يبدو أن الهيجان اضطراب فهل يعني ذلك أن أثره سلبي في حياتنا، ألا يمكن أن يكون الهيجان تعبير طبيعي و إيجابي و ملائم طبقا للموقف الذي نحياه؟
و بصورة أكثر وضوح هل الهيجان انحراف عن التكليف الملائم أم أنه تكيف يقتضيه الظرف.
الهيجان سلوك عشوائي:
يكاد يجمع علماء النفس و رجال الأخلاق أن الهيجان سلوك سلبي بدائي حيواني يتعارض و إنسانية الإنسان تبعا للآثار التي يتركها جسميا و نفسيا.
فمن الناحية الجسمية : 
يضطرب الجسم كله و يصبح في وضع يصعب التحكم فيه ذلك أن الاضطرابات الهيجانية تمس الدورة الدموية، و الجهاز التنفسي و الإفرازات الغددية و تتأثر بذلك العضلات. لقد لوحظ أثناء قياس التخطيط الكهربائي للدماغ تحول الموجات ألفا إلى بيتا لدى المهتاج و هذه الموجات لوحظت عند المجانين و الأطفال مما يدل أن سلوك المهتاج يصبح سلوكا عشوائيا غير خاضع .

الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

المغالطات في الفلسفة

المغالطات في الفلسفة

• بما أن العلم لم يثبت عدم وجود الأشباح، إذن هم موجودون !
• إذا قادت المرأة السيارة فإن ذلك سيكون اكبر سبب للفتنة وهتك الأعراض وجميع مشاكل المجتمع
• هناك ثلاث مستويات لظاهرة معينة في المجتمع : مستوى عال – وسط – متدني !!
هل من مشكلة في هذه العبارات؟
في حوالي 400 سنة قبل الميلاد، فكر أرسطو في أمر في غاية الخطورة. كان يفكر في تقنين قواعد في الجدال، تمكن مستخدمها من غلبة خصمه! كان ذلك هو المنطق. ظن أرسطو ان بالإمكان وضع قواعد من خلالها تمكن من كشف الخطأ والصواب في الأفكار. وضع كتاب الاورغانون الذي تناقله بعده تلاميذه من الشراح واحتفي به احتفاء حتى القرن التاسع عشر. 
كم كانت سيطرة هذه القواعد على الفلاسفة والمناطقة؟ هل كانت تحتاج كل هذه القرون حتى يكشف عن الكثير من الاخطاء فيها؟
هل غابت عن فيلسوف مثل كانت الذي كان يقول ان المنطق قد اكتمل بحيث لا يمكن الاضافة اليه ولا الانتقاص منه؟ لقد دعا ذلك، المؤرخ المنطقي براتل، الى القول ان من اضاف شيئا الى منطق ارسطو فهو اما مرتبك، او غبي او مكابر (1).
في القرن التاسع عشر، بزغ نور المنطق الرمزي الحديث على يد بوول و دي مورجان والذي قفز قفزته الكبرى على يد فريدج و والرياضيين برتراند راسل و وايتهيد الذين أوصلا المنطق الحديث الى مكانه اليوم (2) . كشف هؤلاء المناطقة الجدد ما غاب عن ارسطو وشراحه طيلة هذ القرون فأضافوا – وربما صدق عليهم قول براتل – و صححوا الكثير من الاغلاط التي كان لا يجرؤ احدهم على الشك في صحتها !
ألم يكن هناك صوت مختلف يسمع طيلة هذه القرون يخالف منطق ارسطو؟
بلى، لقد سبقه سقراط في التفكير السفسطائي الذي لا يؤمن بهذه القواعد المنطقية. كان سقراط يؤمن بطرح الأسئلة التي تكشف لنا المشكلات وتوضع لنا الحالات وتنقلنا الى حالات اقل اشكالا. وكان هناك منطق الستويكس (
Stoics) والميغاريين وهناك ايضا من كتابات هندية و صينية. كان هناك اكثر من هذا ولكن منطق ارسطو كان قد طغى.
منذ عصر الستويكس حتى عصر عودة الحياة الى المنطق في اوروبا في القرن الثاني عشر، لم يكن ما يذكر الا ما مر من المنطق في اجواء الدولة الاسلامية. كان المنطق قد ترجمه السريانيون المسيحيون في الدولة الاسلامية في القرن الثامن (3). شرح المناطقة في الدولة الاسلامية ووظف في نزاعاتهم ولغلبة بعضهم البعض في الجدالات التي لم تخل في احيان من اراقة الدماء.
بدأت بوادر التحديث في المنطق منذ القرن الثالث عشر و كانت التطورات الكبرى بدأت مع عصر النهضة في ما سمي بـ “المنطق الحديث” (4) . المنطق، لم يعد اليوم بضع وريقات كتبها ارسطو و عكف عليها الشراح وتجادلوا فيها. 
هذا لا يقلل من منطق ارسطوا الذي كان له دور كبير في التصنيف والتدقيق وترتيب الجدل وربما ساعد الكثير في التغلب على مجادليهم – ليس لانهم على حق – ولكن لانهم اقتنعوا بأن الحق مع من يعرف ان يستخدم قواعد منطق ارسطو. منطق ارسطو اليوم ما هو الا قيمة تاريخية نظرا ما حدث بعده من تطور(5).
حدث كل هذا التطور، ومازلنا مبتهجين بتلك الوريقات وعليها تقوم نزاعاتنا المذهبية والسياسية وفتاوانا اليومية التي يصل مداها الى كل مكان يمكن ان يفكر فيه.
لو اردنا ان نشبه الفرق بين منطق ارسطو و الفلسفة التي من جنس منطقه وبين المنطق الحديث - منطق العلم – والفلسفة الحديثة لكان لنا ان نتخيل احدهم في غرفة مظلمة محكمة الابواب والنوافذ لا يعلم ماذا يجري في خارجها. لا يعرف عن الليل والنهار ومن هو في الخارج وكيف هو شكله. يجلس هذا المرء و ينظر للكون بأفكاره الخلاقة فيعجب لها من في الخارج من براعة خيالها و قدرتها الابداعية والتحدي سيكون لمن يتبنى هذه الافكار ويحاول تطبيقها على ارض الواقع!
لم يكن ليجري ما يجري اليوم من تطور علمي وتقني وحضاري لو لم يحاول فرانيسيس بيكون وأمثاله بفتح النوافذ والابواب والسماح للنور والهواء ان يدخل وان نخرج للحياة نلمسها ونسكشف اسرارها ونطوعها لخدمتنا و نخدمها.
أعرف ان سؤالا ملحاً الآن يصر على القارئ و أقول له أنه يمكن ان نتطرق الى بعض الاخطاء المنطقية عند ارسطو والفروقات بين المنطق القديم والمنطق الحديث ومعرفة شئ من القواعد المنطقية في مقالات قادمة.
بقي ان نشير الى ما يسمى بالمغالطات المنطقية او الجدلية وهو امر في غاية الأهمية. هذا الموضوع يدرس في الجامعات الغربية لكي يتمكن المرء من معرفة ما يمكن ان يخطئ في فهمه خلال استماعه للخطابات الاعلامية والدينية وخلال قراءاته للكتب والمقالات و مواصلاته مع الاخرين. معرفة المرء تساعده في اتخاذ قرارات افضل وتحسين قدراته في التفكير. ان كشف المغالطات المنطقية هو اهم من التفصيل الان في نظريات ودقائق منطقية ونحن اليوم في امس الحاجة للانتبهاه الى الكثير من الخداع الذي يدغدغ ادمغتنا فلا نشعر الا بسعادة البسطاء.
نتطرق اليوم الى اربع انواع من المغالطات المنطقية (6) و نحاول طرح أمثلة واضحة ثم نتبعها بمقالات تشرح اغلب المغالطات المنطقية المشهورة.

مغالطات الالهاء والتعمية :

1. مغالطة الايقاع في الخطأ : وفيها يحاول المتكلم طرح خيارين – في العادة – بينما هناك خيارات لم تذكر. يمكنك الخروج من مثل هذه المغالطات بالتفكير بخيارات اخرى.

أمثلة :

• إما أنا تكون معنا او ضدنا – ماذا لو كنت معك في بعض الاشياء وضدك في بعضها وغير مهتم بأشياء اخرى؟
• إما أن يكون هذا الشخص خيّرا او شريرا ولا خيار اخر – هل من الممكن ان يجمع بعض الخير وبعض الشر؟ هل اتفقنا على الخير والشر؟
• هناك ثلاث مستويات – الممل أنها دائما تكون ثلاثة – لظاهرة معينة في المجتمع: مستوى عال – وسط – متدني !!
2. مغالطة الاهمال: بما انه لم نجد برهانا على خطأ في شئ ما، اذن هو صحيح. والعكس أيضا. ويمكن الانتباه الى ان عدم وجود البرهان ليس ببرهان!.

أمثلة :

• بما ان العلم لم يثبت عدم وجود الاشباح، اذن هم موجودون !
• بما انك لا تستطيع ان تثبت انك اذكى من صديقك، اذن هو اذكى منك.
• بما ان هذه الحادثة التاريخية لم ينكرها احد، إذن هي صحيحة الحدوث.
3. مغالطة الازلاق: وهي ان نقوم بتشويه إحدى الفرضيات بمجموعة من النتائج الغير مقبولة لاقناعك بعدم قبول الفرضية. يجب ان نتأكد و نعيد النظر وننتبه الى ربط الاسباب بالنتائج فقد لا يكون الربط حقيقيا.

أمثلة :

• اذا قادت المرأة السيارة فإن ذلك سيكون اكبر سبب للفتنة وهتك الاعراض وجميع مشاكل المجتمع- ماذا عن السائق الاجنبي؟ هل المرأة تنتظر هذه الفرصة؟ هل ستتغير العادات والاعراف في يوم وليلة؟ مالذي يجري في الدول الاخرى؟ ماذا عن القوانين؟ ماذا عن الرجل اذا قاد السيارة؟
• ان مشاهدتك للفضائيات سيجعلك تشاهد الافلام واللقطات الاباحية و بالتالي ستقع في الانحراف – هل لا يوجد في الفضائيات الا هذا؟ مارأيك في هذا الربط المنطقي؟
• ان قراءتك للكتب الغربية وكتب الضلال يؤدي ان تتعلم علوم الكفار فتنتهي الى الكفر والضلال.
يجب ان نحقق النظر في علاقة الاسباب بالنتائج. هل هي علاقة مقبولة ام مخادعة؟

4. مغالطة السؤال المعقد : ربط موضوعين لا علاقة لهما ببعضها بصورة تحرض على قبول الاثنين او تركهما معا. ربما كان احدهما مقبولا والاخر غير ذلك ولكن المشكلة في ربطهما معا. او طرح سؤال يتضمن افتراضا.

• هل تؤمن بالحرية و حق الرجل في الزواج والطلاق كيفما شاء؟
• هل توقفت عن التدخين (السؤال يفترض انك تدخن!)
• متى ستكشف لي عن السر الذي اخبرك به صاحبك؟
سنتناول المزيد من المغالطات في مقالات قادمة مع لمحة سريعة عن عالم المنطق

عناوين المقالات

إشكالية الإدراك إشكالية العدل إشكالية تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية الإحساس والإدراك الاستبيان الأمة الانفعالات التفكير الرياضي التفكير العلمي الحداثة في الأدب العربي الحرية والتحرر. الدولة والأمة الذاكرة الذكاء والتخيل الذكاء والذاكرة الشخصية والطبع الشعور واللاشعور الشغل والتنظيم الاقتصادي الطبيعة والثقافة العادة وأثرها العادة وأثرها على السلوك الفرضية شرط ضروري في كل بحث علمي الفلسفة نمط متميز من التفكير ما الذي يبرر ذلك ؟ اللغة و الفكر اللغة والتواصل المسؤولية و الجزاء المشكل الأخلاقي المغالطات في الفلسفة النص لـ غاستون باشلار Gaston Bachelard : النموذج والبراديغم أيهما أجدر بتحقيق العدالة : القانون أم الأخلاق ؟ أيهما أهم في الإدراك : العوامل الذاتية أم العوامل الموضوعية ؟ فلسفة فن النحت لا يوجد غيري فأنا وحدي الذي أقرر الخير واخترع الشر ما الدليل على وجود اللاشعور ؟ ما العلاقة بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي ؟ ما دور الثقافة في حياة الإنسان ؟ ما علاقة الطبيعة بالثقافة ؟ ما قيمة القياس؟ طريقة جدلية مقال حول أصل المعرفة الإشكال مقالة جدلية حول أصل المفاهيم الرياضية لأسئلة مقالة حول الحقيقة العلمية والحقيقة الفلسفية مقالة/ ھل أصل المفاھيم الریاضية تعود إلى العقل أم إلى التجربة؟ منهجية و مناهج البحث العلمي هل الإبداع ظاهرة فردية خاصة ؟ هل الاستبطان كاف لفهم سلوك الإنسان ؟ هل التجربة شرط في كل معرفة علمية ؟ هل المجتمع بالنسبة للفرد أداة قمع أم أداة تحرر؟ هل المجرم المسؤول الوحيد عن جرائمه ؟ هل النسيان مرض ؟ هل الوراثة وحدها كفيلة بإحداث فروق فردية ؟ هل تكفي المنافسة الحرة لتحقيق الرخاء الاقتصادي ؟ هل يشكل الشعور مجمل الحياة النفسية عند الإنسان ؟ هل يقوم الهيجان بوظيفة إيجابية دائما في حياة الفرد ؟ هل يمكن الاستغناء عن الفرض العلمي؟ هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟ هل يمكن القول ان العقل هو اساس القيمة الاخلاقية ؟