الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

المغالطات في الفلسفة

المغالطات في الفلسفة

• بما أن العلم لم يثبت عدم وجود الأشباح، إذن هم موجودون !
• إذا قادت المرأة السيارة فإن ذلك سيكون اكبر سبب للفتنة وهتك الأعراض وجميع مشاكل المجتمع
• هناك ثلاث مستويات لظاهرة معينة في المجتمع : مستوى عال – وسط – متدني !!
هل من مشكلة في هذه العبارات؟
في حوالي 400 سنة قبل الميلاد، فكر أرسطو في أمر في غاية الخطورة. كان يفكر في تقنين قواعد في الجدال، تمكن مستخدمها من غلبة خصمه! كان ذلك هو المنطق. ظن أرسطو ان بالإمكان وضع قواعد من خلالها تمكن من كشف الخطأ والصواب في الأفكار. وضع كتاب الاورغانون الذي تناقله بعده تلاميذه من الشراح واحتفي به احتفاء حتى القرن التاسع عشر. 
كم كانت سيطرة هذه القواعد على الفلاسفة والمناطقة؟ هل كانت تحتاج كل هذه القرون حتى يكشف عن الكثير من الاخطاء فيها؟
هل غابت عن فيلسوف مثل كانت الذي كان يقول ان المنطق قد اكتمل بحيث لا يمكن الاضافة اليه ولا الانتقاص منه؟ لقد دعا ذلك، المؤرخ المنطقي براتل، الى القول ان من اضاف شيئا الى منطق ارسطو فهو اما مرتبك، او غبي او مكابر (1).
في القرن التاسع عشر، بزغ نور المنطق الرمزي الحديث على يد بوول و دي مورجان والذي قفز قفزته الكبرى على يد فريدج و والرياضيين برتراند راسل و وايتهيد الذين أوصلا المنطق الحديث الى مكانه اليوم (2) . كشف هؤلاء المناطقة الجدد ما غاب عن ارسطو وشراحه طيلة هذ القرون فأضافوا – وربما صدق عليهم قول براتل – و صححوا الكثير من الاغلاط التي كان لا يجرؤ احدهم على الشك في صحتها !
ألم يكن هناك صوت مختلف يسمع طيلة هذه القرون يخالف منطق ارسطو؟
بلى، لقد سبقه سقراط في التفكير السفسطائي الذي لا يؤمن بهذه القواعد المنطقية. كان سقراط يؤمن بطرح الأسئلة التي تكشف لنا المشكلات وتوضع لنا الحالات وتنقلنا الى حالات اقل اشكالا. وكان هناك منطق الستويكس (
Stoics) والميغاريين وهناك ايضا من كتابات هندية و صينية. كان هناك اكثر من هذا ولكن منطق ارسطو كان قد طغى.
منذ عصر الستويكس حتى عصر عودة الحياة الى المنطق في اوروبا في القرن الثاني عشر، لم يكن ما يذكر الا ما مر من المنطق في اجواء الدولة الاسلامية. كان المنطق قد ترجمه السريانيون المسيحيون في الدولة الاسلامية في القرن الثامن (3). شرح المناطقة في الدولة الاسلامية ووظف في نزاعاتهم ولغلبة بعضهم البعض في الجدالات التي لم تخل في احيان من اراقة الدماء.
بدأت بوادر التحديث في المنطق منذ القرن الثالث عشر و كانت التطورات الكبرى بدأت مع عصر النهضة في ما سمي بـ “المنطق الحديث” (4) . المنطق، لم يعد اليوم بضع وريقات كتبها ارسطو و عكف عليها الشراح وتجادلوا فيها. 
هذا لا يقلل من منطق ارسطوا الذي كان له دور كبير في التصنيف والتدقيق وترتيب الجدل وربما ساعد الكثير في التغلب على مجادليهم – ليس لانهم على حق – ولكن لانهم اقتنعوا بأن الحق مع من يعرف ان يستخدم قواعد منطق ارسطو. منطق ارسطو اليوم ما هو الا قيمة تاريخية نظرا ما حدث بعده من تطور(5).
حدث كل هذا التطور، ومازلنا مبتهجين بتلك الوريقات وعليها تقوم نزاعاتنا المذهبية والسياسية وفتاوانا اليومية التي يصل مداها الى كل مكان يمكن ان يفكر فيه.
لو اردنا ان نشبه الفرق بين منطق ارسطو و الفلسفة التي من جنس منطقه وبين المنطق الحديث - منطق العلم – والفلسفة الحديثة لكان لنا ان نتخيل احدهم في غرفة مظلمة محكمة الابواب والنوافذ لا يعلم ماذا يجري في خارجها. لا يعرف عن الليل والنهار ومن هو في الخارج وكيف هو شكله. يجلس هذا المرء و ينظر للكون بأفكاره الخلاقة فيعجب لها من في الخارج من براعة خيالها و قدرتها الابداعية والتحدي سيكون لمن يتبنى هذه الافكار ويحاول تطبيقها على ارض الواقع!
لم يكن ليجري ما يجري اليوم من تطور علمي وتقني وحضاري لو لم يحاول فرانيسيس بيكون وأمثاله بفتح النوافذ والابواب والسماح للنور والهواء ان يدخل وان نخرج للحياة نلمسها ونسكشف اسرارها ونطوعها لخدمتنا و نخدمها.
أعرف ان سؤالا ملحاً الآن يصر على القارئ و أقول له أنه يمكن ان نتطرق الى بعض الاخطاء المنطقية عند ارسطو والفروقات بين المنطق القديم والمنطق الحديث ومعرفة شئ من القواعد المنطقية في مقالات قادمة.
بقي ان نشير الى ما يسمى بالمغالطات المنطقية او الجدلية وهو امر في غاية الأهمية. هذا الموضوع يدرس في الجامعات الغربية لكي يتمكن المرء من معرفة ما يمكن ان يخطئ في فهمه خلال استماعه للخطابات الاعلامية والدينية وخلال قراءاته للكتب والمقالات و مواصلاته مع الاخرين. معرفة المرء تساعده في اتخاذ قرارات افضل وتحسين قدراته في التفكير. ان كشف المغالطات المنطقية هو اهم من التفصيل الان في نظريات ودقائق منطقية ونحن اليوم في امس الحاجة للانتبهاه الى الكثير من الخداع الذي يدغدغ ادمغتنا فلا نشعر الا بسعادة البسطاء.
نتطرق اليوم الى اربع انواع من المغالطات المنطقية (6) و نحاول طرح أمثلة واضحة ثم نتبعها بمقالات تشرح اغلب المغالطات المنطقية المشهورة.

مغالطات الالهاء والتعمية :

1. مغالطة الايقاع في الخطأ : وفيها يحاول المتكلم طرح خيارين – في العادة – بينما هناك خيارات لم تذكر. يمكنك الخروج من مثل هذه المغالطات بالتفكير بخيارات اخرى.

أمثلة :

• إما أنا تكون معنا او ضدنا – ماذا لو كنت معك في بعض الاشياء وضدك في بعضها وغير مهتم بأشياء اخرى؟
• إما أن يكون هذا الشخص خيّرا او شريرا ولا خيار اخر – هل من الممكن ان يجمع بعض الخير وبعض الشر؟ هل اتفقنا على الخير والشر؟
• هناك ثلاث مستويات – الممل أنها دائما تكون ثلاثة – لظاهرة معينة في المجتمع: مستوى عال – وسط – متدني !!
2. مغالطة الاهمال: بما انه لم نجد برهانا على خطأ في شئ ما، اذن هو صحيح. والعكس أيضا. ويمكن الانتباه الى ان عدم وجود البرهان ليس ببرهان!.

أمثلة :

• بما ان العلم لم يثبت عدم وجود الاشباح، اذن هم موجودون !
• بما انك لا تستطيع ان تثبت انك اذكى من صديقك، اذن هو اذكى منك.
• بما ان هذه الحادثة التاريخية لم ينكرها احد، إذن هي صحيحة الحدوث.
3. مغالطة الازلاق: وهي ان نقوم بتشويه إحدى الفرضيات بمجموعة من النتائج الغير مقبولة لاقناعك بعدم قبول الفرضية. يجب ان نتأكد و نعيد النظر وننتبه الى ربط الاسباب بالنتائج فقد لا يكون الربط حقيقيا.

أمثلة :

• اذا قادت المرأة السيارة فإن ذلك سيكون اكبر سبب للفتنة وهتك الاعراض وجميع مشاكل المجتمع- ماذا عن السائق الاجنبي؟ هل المرأة تنتظر هذه الفرصة؟ هل ستتغير العادات والاعراف في يوم وليلة؟ مالذي يجري في الدول الاخرى؟ ماذا عن القوانين؟ ماذا عن الرجل اذا قاد السيارة؟
• ان مشاهدتك للفضائيات سيجعلك تشاهد الافلام واللقطات الاباحية و بالتالي ستقع في الانحراف – هل لا يوجد في الفضائيات الا هذا؟ مارأيك في هذا الربط المنطقي؟
• ان قراءتك للكتب الغربية وكتب الضلال يؤدي ان تتعلم علوم الكفار فتنتهي الى الكفر والضلال.
يجب ان نحقق النظر في علاقة الاسباب بالنتائج. هل هي علاقة مقبولة ام مخادعة؟

4. مغالطة السؤال المعقد : ربط موضوعين لا علاقة لهما ببعضها بصورة تحرض على قبول الاثنين او تركهما معا. ربما كان احدهما مقبولا والاخر غير ذلك ولكن المشكلة في ربطهما معا. او طرح سؤال يتضمن افتراضا.

• هل تؤمن بالحرية و حق الرجل في الزواج والطلاق كيفما شاء؟
• هل توقفت عن التدخين (السؤال يفترض انك تدخن!)
• متى ستكشف لي عن السر الذي اخبرك به صاحبك؟
سنتناول المزيد من المغالطات في مقالات قادمة مع لمحة سريعة عن عالم المنطق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عناوين المقالات

إشكالية الإدراك إشكالية العدل إشكالية تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية الإحساس والإدراك الاستبيان الأمة الانفعالات التفكير الرياضي التفكير العلمي الحداثة في الأدب العربي الحرية والتحرر. الدولة والأمة الذاكرة الذكاء والتخيل الذكاء والذاكرة الشخصية والطبع الشعور واللاشعور الشغل والتنظيم الاقتصادي الطبيعة والثقافة العادة وأثرها العادة وأثرها على السلوك الفرضية شرط ضروري في كل بحث علمي الفلسفة نمط متميز من التفكير ما الذي يبرر ذلك ؟ اللغة و الفكر اللغة والتواصل المسؤولية و الجزاء المشكل الأخلاقي المغالطات في الفلسفة النص لـ غاستون باشلار Gaston Bachelard : النموذج والبراديغم أيهما أجدر بتحقيق العدالة : القانون أم الأخلاق ؟ أيهما أهم في الإدراك : العوامل الذاتية أم العوامل الموضوعية ؟ فلسفة فن النحت لا يوجد غيري فأنا وحدي الذي أقرر الخير واخترع الشر ما الدليل على وجود اللاشعور ؟ ما العلاقة بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي ؟ ما دور الثقافة في حياة الإنسان ؟ ما علاقة الطبيعة بالثقافة ؟ ما قيمة القياس؟ طريقة جدلية مقال حول أصل المعرفة الإشكال مقالة جدلية حول أصل المفاهيم الرياضية لأسئلة مقالة حول الحقيقة العلمية والحقيقة الفلسفية مقالة/ ھل أصل المفاھيم الریاضية تعود إلى العقل أم إلى التجربة؟ منهجية و مناهج البحث العلمي هل الإبداع ظاهرة فردية خاصة ؟ هل الاستبطان كاف لفهم سلوك الإنسان ؟ هل التجربة شرط في كل معرفة علمية ؟ هل المجتمع بالنسبة للفرد أداة قمع أم أداة تحرر؟ هل المجرم المسؤول الوحيد عن جرائمه ؟ هل النسيان مرض ؟ هل الوراثة وحدها كفيلة بإحداث فروق فردية ؟ هل تكفي المنافسة الحرة لتحقيق الرخاء الاقتصادي ؟ هل يشكل الشعور مجمل الحياة النفسية عند الإنسان ؟ هل يقوم الهيجان بوظيفة إيجابية دائما في حياة الفرد ؟ هل يمكن الاستغناء عن الفرض العلمي؟ هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟ هل يمكن القول ان العقل هو اساس القيمة الاخلاقية ؟