الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

الفلسفة نمط متميز من التفكير" ما الذي يبرر ذلك ؟


نص الموضوع : " الفلسفة نمط متميز من التفكير" ما الذي يبرر ذلك ؟
إن ما يعرف عادة بالمعجزة اليونانية , يعود أساسا إلى بروز ظاهرة جديدة في تفكير اليونانيين الذي تخلص شيئا فشيئا من العناصر الأسطورية و الخرافية والغيبة التي كانت تسيطر عليه وعلى معظم الظواهر الفكرية السابقة لتلك الفترة . وهو تفكير ينطلق من إدراك الذات البشرية لذاتها ووعيها بقدرتها على البحث في الموضوعات الخارجية وبلوغ حقائقها , وهو ما يعرف بالتفكير الفلسفي أو القدرة على التفلسف فما هي خصوصيات التفكير الفلسفي ؟ وما الذي يجعله تفكيرا متميزا ؟
إن من أبرز خصوصيات التفكير الفلسفي أنه بمثابة محاولة تجاوز لما هي عليه الحياة اليومية إلى شيء آخر أكثر قيمة بالنسبة للمرء , إلا أن هذا الشيء القيم لا يتجلى للمرء من أول وهلة , كما أن محاولة التجاوز تتطلب من المرء بحثا وتفكيرا عميقا , وهكذا يرتبط التفكير الفلسفي بذلك الجهد الفكري الذي يبذله المرء والذي يجب على كل متفلسف أن يقوم به . هكذا كان حال الذي فلاسفة اليونان الأوائل خاصة سقراط الذي صارع الرأي العام من جهة و السوفسطائيين من جهة أخرى , فالممارسة الفلسفية تفرض على الفيلسوف التخلص من قيود العادات والتقاليد البالية التي تقيد تفكيره , ومن سيطرة الأفكار والظواهر التي تحد من رؤيته ( فهو يعالج موضوعا محددا انطلاقا من التساؤل عن العلل الأولى للوجود , مرورا بالمعرفة والقيم إلى البحث في العلم , وهو ما يتبع في ذلك منهجا تأمليا عقليا يقوم على خصائص تميزه عن منهج العلم التجريبي ) ولعل هذا ما يدفع بالفلاسفة إلى الشك من اجل تحرير الفكر , والوقوف على اليقين مثلما هو الحال عند الغزالي وديكارت وهذا يقودنا إلى ميزة أخرى من أهم مميزات التفكير الفلسفي وهي النظرة الفاحصة , واليقظة الدائمة والانتباه المستمر أمام كل المشاكل التي تعترض الفيلسوف , فلا يقبل شيئا و لا يرفض شيئا إلا بعد إخضاعه لمقياس العقل , فالخطاب الفلسفي خطاب عقلاني يستند إلى البرهان .
إن الفلسفة في نظر برتراند رسل تبدأ عند وعي الإنسان بنقائص معارفه وهذا الوعي لا نجده عند غالبية الناس بل البعض فقط هو الذي يدرك هذه النقائص فيقول : " وإنك لتخطو الخطوة الأولى في سبيل الفلسفة إذا أدركت هذه النقائص في تفكير العامة " . وهكذا فقد وجد فلاسفة في المجتمعات القديمة في بلاد فارس والهند وغيرهما , إلا أن أرسطو يقول : إن البحث عن المعرفة الفلسفية لم يبدأ إلا في البلاد التي تحقق فيها كل ما هو ضروري لتسديد حاجيات الحياة " . وهذا يعني أن وجود التفكير الفلسفي مرتبط بالظروف الملائمة . ولعل هذا ما جعل الفلسفة بالمعنى الدقيق لم تبدأ إلا مع اليونان . فالظروف الاقتصادية للمجتمع اليوناني والتقسيم الطبقي فيه أفرز فئة متحررة من ضغط الحاجة كرست كل أوقاتها للعمل الذهني , كما أن الظروف السياسية وما تمتع به المجتمع اليوناني من ديمقراطية في إطار الدستور الأثيني الذي يضمن حرية التفكير والتعبير . وفر للفكر الظروف الملائمة للتفتح والتطور . وهذا يفرض علينا أن نؤكد على ارتباط الفلسفة بالظروف التي تنشأ فيها . فالظروف الملائمة شرط وجود الفلسفة.
إن الفلسفة هي سبب تطور الفكر البشري , وقيمتها تتمثل في قدرتها على توعية الإنسان بواقعه , وبضرورة البحث عن حلول ناجحة للمشاكل الحقيقية التي يواجهها على كل مستويات حياته الاجتماعية . فهي وإن كانت لا تقدم حلولا جاهزة فإنها تفتح المجال للبحث والتفكير . وتطرح الأسئلة التي يجب على الإنسان أن يطرحها . إلا أن الفلسفة جانبا من الخطورة على الإنسان ويتمثل في إمكانية إبعاد الإنسان عن الواقع الذي يعيش فيه بمعالجتها لمسائل ثانوية ومجردة لا تخدم الإنسان و لا تيسر عليه حياته .
إن التفكير الفلسفي تفكير متميز , يتميز عن الخرافة ويتميز عن العلم , له موضوعه الخاص , وله منهجه الخاص أيضا , كان تمهيدا لظهور فكر بشري مختص وسيظل حافزا ودافعا على العمل , فالمجتمع لا تستقيم حياته و لا يتقدم دون أن يكون فيه فلاسفة , فيقول ديكارت : " إن حضارة كل أمة إنما تقاس بقدرة ناسها على تفلسف أحسن , وهكذا فإن الخير كل الخير بالنسبة لأمة ما أن يكون فيها فلاسفة حقيقيون " .

هناك تعليق واحد:

عناوين المقالات

إشكالية الإدراك إشكالية العدل إشكالية تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية الإحساس والإدراك الاستبيان الأمة الانفعالات التفكير الرياضي التفكير العلمي الحداثة في الأدب العربي الحرية والتحرر. الدولة والأمة الذاكرة الذكاء والتخيل الذكاء والذاكرة الشخصية والطبع الشعور واللاشعور الشغل والتنظيم الاقتصادي الطبيعة والثقافة العادة وأثرها العادة وأثرها على السلوك الفرضية شرط ضروري في كل بحث علمي الفلسفة نمط متميز من التفكير ما الذي يبرر ذلك ؟ اللغة و الفكر اللغة والتواصل المسؤولية و الجزاء المشكل الأخلاقي المغالطات في الفلسفة النص لـ غاستون باشلار Gaston Bachelard : النموذج والبراديغم أيهما أجدر بتحقيق العدالة : القانون أم الأخلاق ؟ أيهما أهم في الإدراك : العوامل الذاتية أم العوامل الموضوعية ؟ فلسفة فن النحت لا يوجد غيري فأنا وحدي الذي أقرر الخير واخترع الشر ما الدليل على وجود اللاشعور ؟ ما العلاقة بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي ؟ ما دور الثقافة في حياة الإنسان ؟ ما علاقة الطبيعة بالثقافة ؟ ما قيمة القياس؟ طريقة جدلية مقال حول أصل المعرفة الإشكال مقالة جدلية حول أصل المفاهيم الرياضية لأسئلة مقالة حول الحقيقة العلمية والحقيقة الفلسفية مقالة/ ھل أصل المفاھيم الریاضية تعود إلى العقل أم إلى التجربة؟ منهجية و مناهج البحث العلمي هل الإبداع ظاهرة فردية خاصة ؟ هل الاستبطان كاف لفهم سلوك الإنسان ؟ هل التجربة شرط في كل معرفة علمية ؟ هل المجتمع بالنسبة للفرد أداة قمع أم أداة تحرر؟ هل المجرم المسؤول الوحيد عن جرائمه ؟ هل النسيان مرض ؟ هل الوراثة وحدها كفيلة بإحداث فروق فردية ؟ هل تكفي المنافسة الحرة لتحقيق الرخاء الاقتصادي ؟ هل يشكل الشعور مجمل الحياة النفسية عند الإنسان ؟ هل يقوم الهيجان بوظيفة إيجابية دائما في حياة الفرد ؟ هل يمكن الاستغناء عن الفرض العلمي؟ هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟ هل يمكن القول ان العقل هو اساس القيمة الاخلاقية ؟