الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

هل المجرم المسؤول الوحيد عن جرائمه ؟


المسؤولية والجزاء .
نص السؤال : هل المجرم المسؤول الوحيد عن جرائمه ؟
مقدمة : إن الحديث عن المسؤولية يقودنا إلى الحديث عن فكرة الجزاء فإذا كانت المسؤولية هي تحمل الفرد لنتائج أفعاله فالجزاء هو النتيجة المترتبة عن تحمل المسؤولية إذ لا يمكن أن تستقيم الحياة الاجتماعية إلا بتحديد المسؤوليات ولا فائدة من تحديد المسؤوليات دون تطبيق الجزاء لكن المشكلة التي تواجه عملية تطبيق الجزاء هي مشروعيته بمعنى هل كل إنسان يقوم بفعل يكون وحده المسؤول عنه ؟ أو بمعنى آخر إذا صدر عن الإنسان فعل شر فهل نعتبره مجرما ونحمله وحده نتائج الفعل , أم أن هناك أطرافا أخرى يجب أن تتحمل معه نتائج فعله ؟
التحليل :
المجرم مسؤول وحده عن جرائمه :
إن الجزاء في نظر فلاسفة الأخلاق هو الثواب والعقاب والجزاء في الأصل هو الفعل المؤيد بقانون كالعقاب الذي يفرض على من ارتكب الجريمة فإذا تعمد شخص إلحاق ضرر بآخر فليس من المعقول ألا نعاقبه بل نجد المبرر الكافي الذي يدعونا لعقابه فالعقاب هنا مشروع وعادل كون الإنسان حر وعاقل وهذا نجده عند أصحاب النزعة العقلية ومنهم " أفلاطون " قديما حيث قال : " إن الله بريء والبشر هم المسؤولون عن اختيارهم الحر " وقال كانط حديثا :"إن الشرير يختار فعله بإرادته بعيدا عن تأثير الأسباب و البواعث فهو بحريته مسؤول " ونجد هذا الموقف في الفكر الفلسفي الإسلامي عند المعتزلة الذين يقولون : " إن الإنسان يخلق أفعاله بحرية لأنه بعقله يميز بين الخير والشر فهو مخير لا مجبر فهو مكلف مسؤول " والغرض من العقاب في نظر هذا الاتجاه هو مجازاة المجرم بحسب جريمته .
مناقشة : ولكن مهما كانت حرية الإنسان وقدرته العقلية فإنه لا يمكن إهمال طبعه وظروفه فالإنسان خاضع لحتميات تجعل اختياره محدودا .
المجرم لا يعتبر وحده المسؤول عن الجريمة :
إن الدراسة الحديثة في مجال علم النفس وعلم الاجتماع أثرت كثيرا على المشرعين وغيرت نظرتهم إلى العقوبة والغاية منها وإلى المجرم و أساليب التعامل معه مما أدى بالمجتمع إلى الانتقال من التفكير في عقاب المجرم إلى التفكير في علاجه وإعادة إدماجه وتكييفه مع الجماعة وهو ما نجده عند أصحاب النزعة الوضعية ومنهم " لومبروزو " أحد ممثلي المدرسة الإيطالية في علم الإجرام (1835-1909) الذي يرى أن المجرم يولد مزودا باستعداد طبيعي للإجرام وكذا " فيري " 1856-1922 عالم إيطالي في الإجرام يرى أن المجرم لا يوجد مجرما ولكن تصنعه ظروف بيئته الاجتماعية الفاسدة فالجريمة نتيجة حتمية لمجموعة من المؤثرات لابد عند توافرها من وقوع الفعل الإجرامي كالبطالة والسرقة . كما نجد هذا الموقف في الفكر الفلسفي الإسلامي عند الجبرية حيث يرون " إن الإنسان ليس علة أفعاله فهو مجبر على فعل الفعل بعلة ما فلا اختيار لإرادة الإنسان أمام إرادة الله المطلقة " وهؤلاء عموما يركزون على الجزاء الإصلاحي .
مناقشة : لكن الأخذ بهذا الموقف يلغي المسؤولية والجزاء لأن التسامح مع المجرم يزيد في عدد الإجرام وهذا يجعلنا نتساءل على من تقع التبعة وهل نهمل الضحية ؟
المجرم مسؤول عن جرائمه مع مراعاة مختلف ظروفه ودوافعه للإجرام :
في كل من هذين الاتجاهين نجد بعض النقائص فالاتجاه العقلي يهتم بالجريمة ويهمل المجرم وكأن العقوبة غاية في ذاتها . كما أن الاتجاه الوضعي يهتم بالمجرم ويهمل فضاعة الجريمة وكأن المجرم لا ذنب له .
إن العقاب الانتقامي يجعل من المجرم عدوا لدودا لمجتمعه كما أن الجزاء الإصلاحي قد يشجع المجرم على الإجرام وعليه فالمجرم يجب أن ينال العقاب لأنه مسؤول عن جرمه لكن درجة العقوبة تتحدد تبعا للظروف والدوافع التي دفعته للإجرام .
الخاتمة : بناء على ما سبق نستنتج أن القول بالعقاب أول القول بالإصلاح فيه اعتراف ضمني بمدى مسؤولية المجرم عن جريمته غير أن تحديد مستوى المسؤولية ودرجة العقوبة يكون حسب شدة الاختيار وفضاعة الجريمة .
وعليه فإن وصمة الإجرام تبقى عالقة بالمجرم مهما كانت الدوافع وقد جاء في القرآن الكريم (( ولكم في القصاص حياة .. )) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عناوين المقالات

إشكالية الإدراك إشكالية العدل إشكالية تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية الإحساس والإدراك الاستبيان الأمة الانفعالات التفكير الرياضي التفكير العلمي الحداثة في الأدب العربي الحرية والتحرر. الدولة والأمة الذاكرة الذكاء والتخيل الذكاء والذاكرة الشخصية والطبع الشعور واللاشعور الشغل والتنظيم الاقتصادي الطبيعة والثقافة العادة وأثرها العادة وأثرها على السلوك الفرضية شرط ضروري في كل بحث علمي الفلسفة نمط متميز من التفكير ما الذي يبرر ذلك ؟ اللغة و الفكر اللغة والتواصل المسؤولية و الجزاء المشكل الأخلاقي المغالطات في الفلسفة النص لـ غاستون باشلار Gaston Bachelard : النموذج والبراديغم أيهما أجدر بتحقيق العدالة : القانون أم الأخلاق ؟ أيهما أهم في الإدراك : العوامل الذاتية أم العوامل الموضوعية ؟ فلسفة فن النحت لا يوجد غيري فأنا وحدي الذي أقرر الخير واخترع الشر ما الدليل على وجود اللاشعور ؟ ما العلاقة بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي ؟ ما دور الثقافة في حياة الإنسان ؟ ما علاقة الطبيعة بالثقافة ؟ ما قيمة القياس؟ طريقة جدلية مقال حول أصل المعرفة الإشكال مقالة جدلية حول أصل المفاهيم الرياضية لأسئلة مقالة حول الحقيقة العلمية والحقيقة الفلسفية مقالة/ ھل أصل المفاھيم الریاضية تعود إلى العقل أم إلى التجربة؟ منهجية و مناهج البحث العلمي هل الإبداع ظاهرة فردية خاصة ؟ هل الاستبطان كاف لفهم سلوك الإنسان ؟ هل التجربة شرط في كل معرفة علمية ؟ هل المجتمع بالنسبة للفرد أداة قمع أم أداة تحرر؟ هل المجرم المسؤول الوحيد عن جرائمه ؟ هل النسيان مرض ؟ هل الوراثة وحدها كفيلة بإحداث فروق فردية ؟ هل تكفي المنافسة الحرة لتحقيق الرخاء الاقتصادي ؟ هل يشكل الشعور مجمل الحياة النفسية عند الإنسان ؟ هل يقوم الهيجان بوظيفة إيجابية دائما في حياة الفرد ؟ هل يمكن الاستغناء عن الفرض العلمي؟ هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟ هل يمكن القول ان العقل هو اساس القيمة الاخلاقية ؟