الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

اللغة والتواصل


اللغة والتواصل .
نص السؤال : هل يمكن التفكير بدون لغة ؟
إن علماء النفس يطلقون معنى اللغة على مجموع الإشارات التي يعبر بها عن الفكر , فنحن عندما نتحدث مع الغير فإنه من الواضح أننا نطلق بألفاظ نرتبها حسب المعنى , وعندما نتحدث لأنفسنا لا ننطق بألفاظ ولكننا نرتب المعاني حسب الصورة المنطوقة مما يبدو معه أن كل تفكير يحتاج إلى تعبير و أن كل تعبير يحتاج إلى تفكير , إلا أن مسألة اللغة والفكر ظلت موضوع سوء تفاهم بين الفلاسفة والعلماء فهل يمكن قيام فكر بدون لغة ؟ بمعنى آخر هل اللغة والفكر منفصلان عن بعضهما أم أنهما مظهرين لعملية نفسية واحدة ؟
اللغة والفكر منفصلان عن بعضهما :
يذهب أصحاب الاتجاه إلى التمييز بين اللغة والفكر , ويفصلون بينهما فصلا واضحا , ويعتبرون أن الفكر سابق اللغة وأوسع منها , لأن الإنسان يفكر بعقله أولا ثم يعبر بلسانه ثانيا , لذلك قد تتزاحم الأفكار في ذهن الإنسان ولكنه يعجز عن التعبير عنها مما يجعل اللغة عائقا للفكر ولعل هذا ما يدفع بالإنسان إلى الاستعانة بالإشارات لتوضيح أفكاره أو اللجوء إلى وسائل بديلة للتعبير اللغوي كالرسم والموسيقى وغيرهما . وهذا ما أكده " برغسون " حين قال : " اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر " . بمعنى أن تطور المعاني أسرع من تطور الألفاظ , فالمعاني بسيطة متصلة بينما الألفاظ مركبة منفصلة , ويقول " فاليري " ( أحد الشعراء الفرنسيين ) : " أجمل الأفكار هي تلك التي لا نستطيع التعبير عنها " . بمعنى أن اللغة عاجزة عن إبراز المعاني المتولدة عن الفكر إبرازا كاملا . فلا يمكنها أن تجسد كل ما يختلج في نفس الإنسان .
وهكذا فالنتيجة التي ينتهي إليها أصحاب الاتجاه الثنائي أن الفكر واللغة منفصلات عن بعضها فالقدرة على التفكير لا تعني بالضرورة القدرة على التعبير مما يؤدي إلى عدم التناسب بين القدرة على الفهم والقدرة على التبليغ .
لكن الإنسان يشعر بأنه يفكر ويتكلم في آن واحد , والواقع يبين أن التفكير لا يتم بدون لغة . فالفكر بدون لغة مجرد شعور .
لا يمكن الفصل بين اللغة والفكر :
 يذهب أصحاب الاتجاه الواحدي إلى عدم التمييز بين اللغة والفكر فهم لا يفصلون بينهما ولا يرون وجود فرق بينهما بل يرون أنه لا يمكن أن يوجد فكر بدون لغة , كما لا توجد لغة من دون فكر . فاللغة ليست مجرد أداة للتبليغ والتعبير بل هي الأساس الذي يقوم عليه التفكير ومن بين الفلاسفة الذين يؤكدون على وجود وحدة عضوية بين اللغة والفكر الفيلسوف الألماني " هيغل " الذي يرى أن الكلمة تعطي للفكر وجوده الأسمى و أن الرغبة في التفكير بدون كلمات لمحاولة عديمة المعنى , كما أن اللغة عند " جون لوك " هي علامات حسية تدل على الأفكار الموجودة في الذهن , وهذا يعني أن هناك تطابقا بين الفكرة ودلالة الألفاظ . كما يقول ستالين : " مهما كانت الأفكار التي تجيء إلى فكر الإنسان فإنها لا تستطيع أن تنشأ وتوجد إلا على مادة اللغة " . وقد أشار " أرسطو " إلى هذا بقوله : " ليس ثمة تفكير بدون رموز لغوية " .
وهكذا فإن أصحاب الاتجاه الواحدي يخلصون إلى نتيجة مفادها أن اللغة والفكر كل موحد و أن العجز الذي توصف به اللغة فهو عجز في التفكير و أن عدم التناسب بين القدرة على الفهم والقدرة على التبليغ يعود إلى عجز المتكلم عن إيجاد الألفاظ المناسبة للفكرة .
لكن الإنسان يشعر بعجز اللغة عن مسايرة الفكر , فالأدباء على الرغم من امتلاكهم لثروة لغوية كبيرة يعانون من مشكلة التعبير والتبليغ كما يشعر الإنسان أيضا بخطورة اللغة على الفكر أحيانا مثلما في حالة سوء التفاهم .
لا فكر بدون لغة ولا لغة بدون فكر :
 لقد حاول الكثير من الفلاسفة من خلال آرائهم التوفيق بين الفكر واللغة , فلا فكر بدون لغة ولا لغة بدون فكر , وقد عبر عن هذا التلاحم بين اللغة و الفكر " مير لوبونتي " بقوله : " إن الفكر لا يوجد خارج الكلمات " . بينما يقول دولاكروا : " اللغة تصنع الفكر والفكر يصنع اللغة " . وهكذا يبقى على الإنسان الاعتناء بلغته وتطويرها حتى تتمكن من مواكبة الفكر واللحاق به فاللغة السليمة تعبر بصدق عن الفكر .
نستنتج مما سبق أن اللغة والفكر شيئان متداخلان ومتكاملان , وإن كانت بينهما أسبقية فهي منطقية لا زمنية , وإن كان بينهما تمييز فهو نظري لا مادي وقد عبر عن هذه العلاقة " هاملتون " بقوله : " إن المعاني شبيهة بشرار النار لا تومض إلا لتغيب فلا يمكن إظهارها وتثبيتها إلا بالألفاظ " . كما يقول زكي نجيب محمود :
" الفكر هو التركيب اللفظي أو الرمزي لا أكثر و لا أقل " . وعليه فكل تفكير يتطلب لغة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عناوين المقالات

إشكالية الإدراك إشكالية العدل إشكالية تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية الإحساس والإدراك الاستبيان الأمة الانفعالات التفكير الرياضي التفكير العلمي الحداثة في الأدب العربي الحرية والتحرر. الدولة والأمة الذاكرة الذكاء والتخيل الذكاء والذاكرة الشخصية والطبع الشعور واللاشعور الشغل والتنظيم الاقتصادي الطبيعة والثقافة العادة وأثرها العادة وأثرها على السلوك الفرضية شرط ضروري في كل بحث علمي الفلسفة نمط متميز من التفكير ما الذي يبرر ذلك ؟ اللغة و الفكر اللغة والتواصل المسؤولية و الجزاء المشكل الأخلاقي المغالطات في الفلسفة النص لـ غاستون باشلار Gaston Bachelard : النموذج والبراديغم أيهما أجدر بتحقيق العدالة : القانون أم الأخلاق ؟ أيهما أهم في الإدراك : العوامل الذاتية أم العوامل الموضوعية ؟ فلسفة فن النحت لا يوجد غيري فأنا وحدي الذي أقرر الخير واخترع الشر ما الدليل على وجود اللاشعور ؟ ما العلاقة بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي ؟ ما دور الثقافة في حياة الإنسان ؟ ما علاقة الطبيعة بالثقافة ؟ ما قيمة القياس؟ طريقة جدلية مقال حول أصل المعرفة الإشكال مقالة جدلية حول أصل المفاهيم الرياضية لأسئلة مقالة حول الحقيقة العلمية والحقيقة الفلسفية مقالة/ ھل أصل المفاھيم الریاضية تعود إلى العقل أم إلى التجربة؟ منهجية و مناهج البحث العلمي هل الإبداع ظاهرة فردية خاصة ؟ هل الاستبطان كاف لفهم سلوك الإنسان ؟ هل التجربة شرط في كل معرفة علمية ؟ هل المجتمع بالنسبة للفرد أداة قمع أم أداة تحرر؟ هل المجرم المسؤول الوحيد عن جرائمه ؟ هل النسيان مرض ؟ هل الوراثة وحدها كفيلة بإحداث فروق فردية ؟ هل تكفي المنافسة الحرة لتحقيق الرخاء الاقتصادي ؟ هل يشكل الشعور مجمل الحياة النفسية عند الإنسان ؟ هل يقوم الهيجان بوظيفة إيجابية دائما في حياة الفرد ؟ هل يمكن الاستغناء عن الفرض العلمي؟ هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟ هل يمكن القول ان العقل هو اساس القيمة الاخلاقية ؟