الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟


نص السؤال : هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟
الإحساس : ظاهرة نفسية متولدة عن تأثر إحدى الحواس بمؤثر ما , وبذلك فهو أداة اتصال بالعالم الخارجي ووسيلة من وسائل المعرفة عند الإنسان بينما الإدراك هو عملية عقلية معقدة نتعرف بها على العالم الخارجي بواسطة الحواس ومن خلال تعريفها تظهر العلاقة القائمة بينهما والتقارب الكبير الذي يجمعهما مما أثار إشكالا لدى الفلاسفة وخاصة علماء النفس حول الذي يجمعهما مما أثار إشكالا لدى الفلاسفة وخاصة علماء النفس حول إمكانية الفصل بينهما أو عدمه, بمعنى إن شعور الشخص بالمؤثر الخارجي و الرد على هذا المؤثر بصورة موافقة هل نعتبره إحساس أم إدراك أم أنهما مع يشكلان ظاهرة واحدة ؟
إمكان الفصل بين الإحساس والإدراك :
يؤكد علم النفس التقليدي على ضرورة الفصل بين الإحساس و الإدراك و يعتبر الإدراك ظاهرة مستقلة عن الإحساس انطلاقا من أن الإحساس ظاهرة مرتبطة بالجسم فهو حادثة فيزيولوجية ومعرفة بسيطة , أما الإدراك فهو مرتبط بالعقل . أي عملية عقلية معقدة تستند إلى عوامل كالتذكر والتخيل و الذكاء وموجه إلى موضوع معين . فيكون الإحساس معرفة أولية لم يبلغ بعد درجة المعرفة بينما الإدراك معرفة تتم في إطار الزمان والمكان . حيث يقول " ديكارت " : " أنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب أني أراه بعيني " . ويقول " مين دوبيران Maine de Biran : " الإدراك يزيد على الإحساس بأن آلة الحس فيه تكون أشد فعلا والنفس أكثر انتباه ... " .
وكما يختلف الإدراك عن الإحساس فكذلك يختلف عن العاطفة لأن الإدراك في نظرهم حالة عقلية والعاطفة حالة وجدانية انفعالية .
لكن إمكانية الفصل بين الإحساس و الإدراك بشكل مطلق أمر غير ممكن باعتبار أن الإدراك يعتمد على الحواس . حيث قال التهانوي : " الإحساس قسم من الإدراك " وقال الجرجاني : " الإحساس إدراك الشيء بإحدى الحواس " .
استحالة الفصل بين الإحساس والإدراك :
يؤكد علم النفس الحديث على عدم إمكانية الفصل بين الإحساس والإدراك كما أن الفلسفة الحديثة تنظر إلى الإدراك على أنه شعور بالإحساس أو جملة من الاحساسات التي تنقلها إليه حواسه , فلا يصبح عندها الإحساس و الإدراك ظاهرتين مختلفتين وإنما هما وجهان لظاهرة واحدة , ومن الفلاسفة الذين يطلقون لفظ الإحساس على هذه الظاهرة بوجهيها الانفعالي والعقلي معا " ريد Reid  " حيث يقول : " الإدراك هو الإحساس المصحوب بالانتباه " .
بينما يبني الجشطالط موقفهم في الإدراك على أساس الشكل أو الصورة الكلية التي ينتظم فيها الموضوع الخارجي , فالجزء لا يكتسب معناه إلا داخل الكل . فتكون الصيغة الكلية عند الجشطالط هي أساس الإدراك . فالإدراك يعود إلى العوامل الموضوعية . فالصيغ الخارجية هي التي تفرض قوانينها علينا و تؤثر على إدراكنا , وبذلك فهي تحد من قدراتنا العقلية . وعليه فالإدراك ليس مجموعة من الاحساسات و إنما الشكل العام للصورة هو الذي يحدد معنى الإدراك . فالثوب المخطط عموديا قد يزيد من أناقة الفتاة , وذات الثوب بخطوط أفقية قد يحولها إلى شبه برميل .
لكن رد الإدراك بشكل كلي إلى الشكل الخارجي أمر لا تؤكده الحالة النفسية للإنسان فهو يشعر بأسبقية الإحساس الذي تعيشه الذات كما أن رد الإدراك إلى عوامل موضوعية وحدها , فيه إقصاء للعقل ولكل العوامل الذاتية التي تستجيب للمؤثر . وإلا كيف تحدث عملية الإدراك ؟ ومن يدرك ؟
الإدراك ينطلق من الإحساس ويتجه نحو الموضوع :
إن الإدراك عملية نشيطة يعيشها الإنسان فتمكنه من الاتصال بالموضوع الخارجي أو الداخلي , وهو عملية مصحوبة بالوعي فتمكنه من التعرف على الأشياء . والإدراك يشترط لوجوده عمليات شعورية بسيطة ينطلق منها . و هو الإحساس , بكل حالاته الانفعالية التي تعيشها الذات المدركة , ووجود الموضوع الخارجي الذي تتوجه إليه الذات المدركة بكل قواها وهو ما يعرف بالموضوع المدرك .
إن الاختلاف بين علم النفس التقليدي الذي يميز بين الإحساس و الإدراك , وعلم النفس الحديث الذي لا يميز بينهما باعتبار أن العوامل الموضوعية هي الأساس في الإدراك يبقى قائما . غير أن التجربة الفردية تثبت أن الإنسان في اتصاله بالعالم الخارجي وفي معرفته له ينطلق من الإحساس بالأشياء ثم مرحلة التفسير والتأويل فالإحساس مميز عن الإدراك ليسبقه منطقيا إن لم يكن زمنيا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عناوين المقالات

إشكالية الإدراك إشكالية العدل إشكالية تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية الإحساس والإدراك الاستبيان الأمة الانفعالات التفكير الرياضي التفكير العلمي الحداثة في الأدب العربي الحرية والتحرر. الدولة والأمة الذاكرة الذكاء والتخيل الذكاء والذاكرة الشخصية والطبع الشعور واللاشعور الشغل والتنظيم الاقتصادي الطبيعة والثقافة العادة وأثرها العادة وأثرها على السلوك الفرضية شرط ضروري في كل بحث علمي الفلسفة نمط متميز من التفكير ما الذي يبرر ذلك ؟ اللغة و الفكر اللغة والتواصل المسؤولية و الجزاء المشكل الأخلاقي المغالطات في الفلسفة النص لـ غاستون باشلار Gaston Bachelard : النموذج والبراديغم أيهما أجدر بتحقيق العدالة : القانون أم الأخلاق ؟ أيهما أهم في الإدراك : العوامل الذاتية أم العوامل الموضوعية ؟ فلسفة فن النحت لا يوجد غيري فأنا وحدي الذي أقرر الخير واخترع الشر ما الدليل على وجود اللاشعور ؟ ما العلاقة بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي ؟ ما دور الثقافة في حياة الإنسان ؟ ما علاقة الطبيعة بالثقافة ؟ ما قيمة القياس؟ طريقة جدلية مقال حول أصل المعرفة الإشكال مقالة جدلية حول أصل المفاهيم الرياضية لأسئلة مقالة حول الحقيقة العلمية والحقيقة الفلسفية مقالة/ ھل أصل المفاھيم الریاضية تعود إلى العقل أم إلى التجربة؟ منهجية و مناهج البحث العلمي هل الإبداع ظاهرة فردية خاصة ؟ هل الاستبطان كاف لفهم سلوك الإنسان ؟ هل التجربة شرط في كل معرفة علمية ؟ هل المجتمع بالنسبة للفرد أداة قمع أم أداة تحرر؟ هل المجرم المسؤول الوحيد عن جرائمه ؟ هل النسيان مرض ؟ هل الوراثة وحدها كفيلة بإحداث فروق فردية ؟ هل تكفي المنافسة الحرة لتحقيق الرخاء الاقتصادي ؟ هل يشكل الشعور مجمل الحياة النفسية عند الإنسان ؟ هل يقوم الهيجان بوظيفة إيجابية دائما في حياة الفرد ؟ هل يمكن الاستغناء عن الفرض العلمي؟ هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟ هل يمكن القول ان العقل هو اساس القيمة الاخلاقية ؟